وكذلك أحكام القرآن يرشد سبحانه فيها إلى مداركها وعللها كقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فأمر سبحانه نبيه أن يذكر [لهم] (?) علة الحكم قبل الحكم، وكذلك قوله [تعالى] (?): {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] وكذلك قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا [نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] (?)} [المائدة: 38]، وقوله (?) تعالى في جزاء الصيد: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95].
الفائدة السابعة: إذا كان الحكم مستغربًا جدًا مما لم تألفه النفوس، وإنما ألفت خلافه فينبغي للمفتي أن يوطئ قبله ما كان مأذونًا به (?) كالدليل عليه والمقدمة بين يديه، فتأمل ذكره سبحانه قصة زكريا وإخراج الولد منه عليه السلام بعد انصرام عصر الشبيبة وبلوغه السن الذي لا يُولد [فيه] (?) لمثله في العادة، فذكر قصته مقدمة بين يدي قصة المسيح عليه السلام، وولادته (?) من غير أَب، فإن النفوس لما آنست بولد من [بين] (6) شيخين كبيرين لا يولد لهما عادة سهل عليها التصديق بولادة ولد من غير أب، وكذلك ذكر سبحانه [قبل] (6) قصة المسيح موافاة مريم رزقها في غير وقته وغير إبّانه، وهذا الذي شجع نفس زكريا وحرَّكها لطلب الولد، وإن كان في غير إبّانه.
وتأمل قصة نسخ القبلة لما كانت شديدة على النفوس جدًا كيف وطَّأ سبحانه قبلها (?) عدة موطئات، منها: ذكر النسخ، ومنها أن يأتي بخير من المنسوخ أو مثله، ومنها أنه على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، فعموم قدرته وعلمه صالح لهذا الأمر الثاني، كما كان صالحًا للأول (?)، ومنها تحذيرهم الاعتراض