الحرام قد يوهم (?) الاختصاص عقبه بقوله: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل: 91]، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3]، فلما ذكر كفايته للمتوكِّل عليه، فربما أوهم ذلك تعجيل الكفاية وقت التوكل فعقبه بقوله: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] أي: وقتًا لا يتعدَّاه، فهو يسوقه [إلى وقته الذي قدّره له، فلا يستعجل المتوكل ويقول: قد توكلت، ودعوت فلم أر شيئًا، ولم تحصل لي] (?) الكفاية، فاللَّه [بالغ] (?) أمره في وقته الذي قدره له (?)، وهذا كثيرٌ جدًا في القرآن والسنة، وهو باب لطيف من أبواب فهم النصوص.
الفائدة السادسة: ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم، [ومأخذه] (?) ما أمكنه من ذلك، ولا يلقيه (?) إلى المستفتي ساذجًا مجردًا عن دليله ومأخذه، فهذا لضيق عطنه، وقلة بضاعته من العلم، ومن تأمل فتاوى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي قوله حجة بنفسه، رآها مشتملة على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره، ووجه مشروعيته، وهذا، كما سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: "أينقصُ الرطب إذا جفَّ؟ قالوا: نعم، فزجر عنه" (?)، ومن المعلوم أنه كان يعلم نقصانه بالجفاف، ولكن نبَّههم على علة التحريم وسببه (?)، ومن هذا قوله لعمر، وقد سأله عن قُبلة امرأته وهو صائم فقال: "أرأيت لو تمضمضت، ثم مججته أكان يضر شيئًا قال: لا" (?). فنبه على أن مقدمة المحظور لا يلزم أن تكون محظورة، فإن غاية القُبلة أنها مقدمة الجماع، فلا يلزم من تحريمه تحريم مقدمته، كما أن وضع الماء في الفم مقدمة