وهذا شأن خَلف الرسل (?) وورثتهم من بعدهم، ورأيت شيخنا قدَّس اللَّه روحه يتحرَّى ذلك في فتاويه مهما أمكنه، ومن تأمل فتاويه وجد ذلك ظاهرًا فيها، وقد منع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، بلالًا أن يشتري صاعًا من التمر الجيد بصاعين من الرديء، ثم دلَّه على الطريق المباح فقال: "بعْ الجمع (?) بالدراهم، ثم اشتر بالدراهم جنيبًا" (?)، فمنعه من الطريق المحرَّم، وأرشده إلى الطريق المباح، ولما سأله عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث والفضل بن عباس أن يستعملهما في [جباية] (?) الزكاة ليصيبا ما يتزوجان به منعهما من ذلك، وأمر مَحْمِية بن جزء (?)، وكان على الخمس أن يعطيهما [منه] (?) ما ينكحان به (?)، فمنعهما من الطريق المحرم، وفتح لهما [باب] (6) الطريق المباح، وهذا اقتداء منه بربه تبارك وتعالى، فإنه يسأله عبده الحاجة فيمنعه إياها (?) ويعطيه ما هو أصلح [له] (6)، وأنفع منها (?)، وهذا غاية الكرم والحكمة.
الفائدة الخامسة: إذا أفتى المفتي للسائل بشيء ينبغي له أن ينبهه على وجه الاحتراز مما قد يذهب إليه الوهم [منه] (?) من خلاف الصواب، وهذا باب لطيف من أبواب العلم والنصح والإرشاد، [و] (10) مثال هذا قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (?): "لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده" (?)، فتامل كيف أتبع الجملة الأولى بالثانية رفعًا لتوهم إهدار دماء الكفار مطلقًا، وإن كانوا في عهدهم، فإنه لما قال: "لا يقتل مؤمن بكافر"، فربما ذهب [الوهم] (10) إلى أن دماءهم هدر،