العمل المشروع، كمن استفرغ قوَّته في السماع الشيطاني فإذا جاء قيام الليل قام إلى ورده بقوة كالّة، وعزيمة باردة، وكذلك من صرف قوى حبِّه وإرادته إلى الصور أو المال (?) أو الجاه، فإذا طالب قلبه بمحبة اللَّه فإن انجذب معه انجذب بقوة ضعيفة قد استفرغها في محبة غيره، فمن استفرغ قوى فكره في كلام الناس، فإذا جاء إلى كلام اللَّه و [كلام] رسوله جاء بفكرة كالَّةٍ (?) فأعطى بحسب ذلك (?).
والمقصود أن الصحابة أغناهم اللَّه تعالى عن ذلك كله (?)، فاجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط، هذا إلى ما خصوا به من قوى الأذهان وصفائها، وصحتها وسرعة إدراكها (?)، وكماله، وكثرة المعاون، وقلة المعاوق (?)، وقرب العهد بنور النبوة، والتلقي من تلك المشكاة النبوية، فإذا كان هذا حالنا وحالهم فيما تميزوا به علينا وما شاركناهم فيه فكيف نكون نحن أو شيوخنا (?) أو شيوخهم أو من قلَّدناه أسعد بالصواب منهم في مسألة من المسائل؟ ومن حدّث نفسه بهذا فليعرِّها (?) من الدين والعلم، واللَّه المستعان (?).
الوجه الرابع والأربعون (?): أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" (?) وقال علي -رضي اللَّه عنه- (?): "لن تخلو الأرض من قائم للَّه بحُجَّة لكيلا تبطل حُجَجُ اللَّه وبيّناته" (?)، فلو جاز أن يخطئ الصحابة في حكم ولا