فصل في سد الذرائع (?)

لما كانت المقاصد لا يُتوصَّل إليها إلا بأسباب وطُرُق تُفْضِي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعةً لها مُعْتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقُرُبَات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها (?)؛ فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصودٌ قصدَ الغاياتِ، وهي مقصودة قصد الوسائل (?)؛ فإذا حَرَّمَ الربُّ تعالى شيئًا وله طرق ووسائل تُفْضِي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقًا لتحريمه، وتثبيتًا له، ومنعًا أن يقرب حِمَاه، ولو أباح الوسائل والذرائع المُفْضِية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم، وإغراءً للنفوس به. وحكمته تعالى وعلمه تأبى ذلك كل الإباء، بل سياسة ملوك الدنيا تابى ذلك؛ فإن أحدَهم إذا منع جُنْدَه أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصِّلة إليه لعدَّ متناقضًا، ولحصل من رعيته وجنده ضدّ مقصوده. وكذلك الأطباء إذا أرادوا حَسْمَ الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصَّلة إليه، وإلا فسد عليهم ما يرومون إصلاحه. فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال؟ ومَنْ تأمل مصادرها ومواردها علم أن اللَّه تعالى ورسوله سد الذرائع المُفْضِية إلى المحارم بأن حرَّمها ونهى عنها، والذريعةُ ما كان وسيلة وطريقًا إلى الشيء.

ولا بد من تحرير هذا الموضع قبل تقريره ليزول الالتباس فيه، فنقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015