وهكذا الحيل الربوية؛ فإن الربا لم يكن حرامًا لصورته ولفظه، وإنما كان حرامًا لحقيقته التي امتاز بها عن حقيقة البيع؛ فتلك الحقيقة حيث وجدت وجد التحريم في أي صورة رُكِّبت وبأي لفظ عُبِّر عنها؛ فليس الشأن في الأسماء وصُوَر العقود، وإنما الشأن في حقائقها ومقاصدها وما عُقِدَتْ له.
الوجه الثاني (?): أن اليهود لم ينتفعوا بعين الشحم، وإنما انتفعوا بثمنه، ويلزم مَنْ راعى الصُّوَر والظواهر والألفاظ دون الحقائق والمقاصد أن لا يحرم ذلك، فلما لُعنوا على استحلال الثمن -وإن لم ينص لهم على تحريمه- علم أن الواجب النظر إلى الحقيقة والمقصود لا إلى مجرد الصورة، ونظير هذا أن يُقال لرجل: لا تَقْرب مال اليتيم، فيبيعه ويأخذ عوضه ويقول: لم أَقْرب ماله، وكمن يقول لرجل: لا تشرب من هذا النهر، فيأخذ بيديه ويشرب من كفيه (?) ويقول: لم أشرب منه، وبمنزلة من يقول: لا تضرب زيدًا، فيضربه فوق ثيابه ويقول: إنما ضربتُ ثيابه، وبمنزلة من يقول: لا تأكل [من] (?) مال هذا الرجل فإنه حرام، فيشتري به سلعةً ولا يُعيِّنه ثم ينقده للبائع ويقول: لم آكل ماله إنما أكلت ما اشتريته وقد ملكت (?) ظاهرًا وباطنًا، وأمثال هذه الأمور التي لو استعملها الطبيبُ في معالجة المرضى لزاد مرضُهم، ولو استعملها المريضُ لكان مرتكبًا لنفس ما نهاه عنه الطبيب، كمن يقول له الطبيب: لا تأكل اللحم فإنه يزيد في مواد المرض، فيدقه ويعمل منه هريسة ويقول: لم آكل اللحم، وهذا المثال مطابق لعامة الحيل الباطِلة في الدين.
وياللَّه العجب! أي فرق بين بيع مئة بمئة وعشرين درهمًا صريحًا (?) وبين إدخال سلعة لم تقصد أصلًا بل دخولها كخروجها؟ ولهذا لا يَسْأل العاقدُ عن جنسها ولا صفتها ولا قيمتها ولا عيب فيها ولا يُبالي بذلك ألبتة حتى لو كانت خرقة مقطّعة أو أذن شاة (?) أو عودًا من حطب أدخلوه محللًا للربا (?)، ولما تفطَّن