فيكون ما نواه وينوي به غيره فلا تطلق، وكذلك قوله: "أنتِ عندي مثل أمي" ينوي بها الظهار فتحرم وينوي به أنها في الكرامة فلا تحرم عليه، وكذلك مَنْ أدّى عن غيره واجبًا ينوي به الرجوع مَلكه وإن نوى به التبرع لم يرجع.
وهذه كما أنها أحكام الرب تعالى في العقود فهي أحكامه تعالى في العبادات والمَثوبات والعقوبات؛ فقد اطّردت سنته بذلك في شرعه وقدره.
أما العبادات فتأثير النيات في صحتها وفسادها أظهر من أن يحتاج إلى ذكره (?)؛ فإن القُرُبات كلها مَبْنَاها على النيات، ولا يكون الفعل عبادة إلا بالنية والقَصْد، ولهذا لو وقع في الماء ولم ينو الغسل أو دخل الحمام للتنظيف أو سَبَحَ للتبرُّد لم يكن غسله قربة ولا عبادة بالاتفاق، فإنه لم ينو العبادة فلم تحصل له، وإنما لامرئ ما نوى، ولو أمْسَكَ عن المُفْطِرات عادة واشتغالًا ولم ينو القربة لم يكن صائمًا (?)، ولو دار حول البيت يلتمس شيئًا سقط منه لم يكن طائفًا، ولو أعطى الفقير هبة أو هدية ولم ينو الزكاة لم تحتسب (?) زكاة، ولو جلس في المسجد ولم ينو الاعتكاف لم يحصل له [ثواب] (?).
وهذا كما أنه ثابت في الإجزاء والإمتثال فهو ثابت في الثواب والعقاب؛ ولهذا لو جامع أجنبية يظنها زوجته [أو أمَتُه] (?) لم يأثم بذلك وقد يُثاب بنيته، ولو جامع في ظلمة من يظنها أجنبية فبانت زوجتُه أو أمَتُه أثم على ذلك بقصده ونيته للحرام، ولو أكل طعامًا حرامًا يظنه حلالًا لم يأثم به، ولو أكله وهو حلال يظنه حرامًا وقد أقدم عليه أثِم بنيته، وكذلك لو قتل مَنْ يظنه مسلمًا معصومًا فَبَانَ كافرًا حربيًا أثم بنيته، ولو رمى صيدًا فأصاب معصومًا لم يأثم، ولو رمى معصومًا فأخطأه وأصاب صيدًا أثم، ولهذا كان القاتل والمقتول من المسلمين في النار (?) لنية كل واحد منهما قتل صاحبه.