المذموم، بل هي حجة على فساده وبطلانه؛ فإن الإنذار إنما يقوم بالحجة، فمن لم تقم عليه الحجة لم يكن قد أنذر، كما أن النَّذير من أقام الحجة، فمن لم يأت بحجة فليس بنذير، فإن سمَّيتم ذلك تقليدًا فليس الشأن في الأسماء، ونحن لا ننكر التقليد بهذا المعنى، فسمّوه ما شئتم، وإنما ننكر نصْب رجل معين يُجعل قوله عيارًا على القرآن والسنن؛ فما وافق قوله منها قُبل وما خالفه لم يقبل، ويقبل قوله بغير حجة، ويرد قول نظيره أو أعلم منه والحجة معه، فهذا الذي أنكرناه، وكل عالم على وجه الأرض يُعلن إنكارَه (?) وذَمَّه وذم أهله.
الوجه الثامن والخمسون: قولكم: "إن ابن الزبير سئل عن الجد والإخوة فقال: أما الذي قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذته خليلًا -يريد: أبا بكر -رضي اللَّه عنه- فإنه أنزله أبًا" (?) فأيُّ شيء في هذا مما يدل على التقليد بوجه من الوجوه؟ وقد تقدم من الأدلة الشافية التي لا مطْمع في دفعها ما يدل على أن قول الصديق في الجد أصحُّ الأقوال على الإطلاق، وابنُ الزبير لم يخبر بذلك تقليدًا، بل أضاف المذهب إلى الصديق لينبه على جلاله قائله، وأنه ممن لا يُقاس غيره به، لا ليُقبل قوله بغير حجة وتُترك الحجة من القرآن والسنة لقوله؛ فابن الزبير وغيره من الصحابة كانوا أتقى للَّه، وحُجج اللَّه وبيِّناته أحبُّ إليهم من أن يتركوها لآراء الرجال ولقول أحد كائنًا من كان، وقول ابن الزبير: "إن الصديق -رضي اللَّه عنه- أنزله أبًا" متضمِّن للحكم والدليل [معًا] (?).
الوجه التاسع والخمسون: قولكم: "وقد أمر اللَّه بقبول شهادة الشاهد، وذلك تقليدٌ له" فلو لم يكن في آفات التقليد غير هذا الاستدلال لكفى به بطلانًا، وهل قبلنا قول الشاهد إلا بنص كتاب ربنا وسنة نبينا وإجماع الأمة على قبول قوله؛ فإن اللَّه سبحانه نَصَبه حُجةً يحكم الحاكم بها كما يحكم بالإقرار، وكذلك قول المقر أيضًا حجة شرعية، وقبوله تقليد له، كما سمَّيتم قبول شهادة الشاهد تقليدًا، فسمّوه ما شئتم فاللَّه (?) سبحانه أمرنا بالحكم بذلك، وجَعَله دليلًا على الأحكام؛