أخفى عن الناس ما أظهر للَّه خلافه، فأظهر اللَّه من عيوبه للناس ما أخفاه عنهم، جزاءً له من جنس عمله.
وكان بعض الصحابة يقول: أعوذ باللَّه من خشوع النفاق، قالوا: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعًا والقلب غير خاشع (?)؛ وأساس النفاق وأصله هو التزين للناس بما ليس في الباطن من الإيمان؛ فعلم أن هاتين الكلمتين من كلام أمير المؤمنين مشتقة من كلام النبوة، وهما من أنفع الكلام، وأشفاه للأسقام (?).
وقوله: "فإن اللَّه لا يقبل من العباد إلا ما كان له خالصًا" والأعمال أربعة: واحد مقبول، وثلاثة مردودة؛ فالمقبول ما كان للَّه خالصًا وللسنة موافقًا، والمردودُ ما فُقدَ منه الوصفان أو أحدهما، وذلك أن العمل المقبول هو ما أحَبَّه اللَّه ورضيه، وهو سبحانه إنما يحب ما أمر به وعُمل لوجهه، وما عدا ذلك من الأعمال فإنه لا يحبها، بل يمقتها ويمقت أهلها، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2].
قال الفضيل بن عياض: هو أخلصه وأصوبه (?)، فسئل عن معنى ذلك، فقال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا؛ فالخالص أن يكون للَّه، والصواب أن يكون على السنة، ثم قرأ قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (?) [الكهف: 110].