والعبد إذا عزم على فعل أمر، فعليه أن يعلم أولًا هل هو طاعة للَّه أم لا؟ فإن لم يكن طاعة فلا يفعله إلا أن يكون مباحًا يستعين به على الطاعة، وحينئذ يصير طاعة، فإذا بان له أنه طاعة يُقدم عليه حتى ينظر هل هو مُعانٌ عليه أم لا؟ فإن لم يكن معانًا عليه فلا يقدم عليه فيذل نفسه، وإن كان معانًا عليه بقي عليه نظر آخر، وهو أن يأتيه من بابه؛ فإن أتاه من غير بابه أضاعه أو فَرَّط فيه أو أفسد منه شيئًا؛ فهذه الأمور الثلاثة أصل سعادة العبد وفلاحه، وهي معنى قول العبد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 5 - 6] فأسعد الخلق أهل العبادة والاستعانة والهداية إلى المطلوب، وأشقاهم من عدم الأمور الثلاثة.
ومنهِمِ من يكون له نصيب من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] ونصيبه من {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] معدوم أو ضعيف؛ فهذا مخذول مهينٌ محزون، ومنهم من يكون نصيبه من {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] قويًا ونصيبه من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] ضعيفًا أو مفقودًا؛ فهذا له نفوذ وتسلط وقوة، ولكن لا عاقبة له، بل عاقبته أسوأ عاقبة، ومنهم من يكون له نصيب من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ولكن نصيبه من الهداية إلى المقصود ضعيف جدًا، كحال كثير من العُبَّاد والزهاد الذين قل علمهم بحقائق ما بعث اللَّه به رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- من الهدى ودين الحق.
وقول عمر -رضي اللَّه عنه-: "فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه" (?) إشارة إلى