وذكر أبو عمر في كتاب "التمهيد" أن اللَّه سبحانه أوحى إلى نبي من أنبيائه أن قُل لفلان الزاهد: أما زهدك في الدنيا فقد تعجّلْتَ به الراحةَ، وأما انقطاعك إليَّ فقد تكسَّبت (?) به العِزَّ، ولكن ماذا عملت فيما لي عليك؟ فقال: يا رب وأيّ شيء لك عليّ؟ قال: هل واليْت فيّ وليًا أو عاديت فيّ عدوًا؟ (?).
قوله: "فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه اللَّه ما بينه وبين الناس، ومن تزيَّن بما ليس فيه شَانَه اللَّه" هذا شقيق كلام النبوة، وهو جدير بأن يخرج من مشكاة المُحَدَّث المُلهم، وهاتان الكلمتان من كنوز العلم، ومن أحسن الإنفاق منهما نفع غيره، وانتفع غاية الانتفاع: فأما الكلمة الأولى فهي منبع الخير وأصله، والثانية أصل الشر وفصله؛ فإن العبد إذا خلصت نيته للَّه تعالى وكان قصدُه وهمه وعمله لوجهه (?) سبحانه كان اللَّه معه؛ فإنه سبحانه {مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128]، ورأس التقوى والإحسان خلوصُ النية للَّه في إقامة الحق، واللَّه سبحانه لا غالبَ له، فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله