نعمة اللَّه تعالى عليه بالحرِّية، وأن جعله مالكًا لا مملوكًا، ولم يَجْعله تحت قَهْر غيره وتصرفه فيه، ومن جهة تمكنه بأسباب القدرة من الاستغناء عن المعصية بما عَوض اللَّه عنها من المباحات، فقابل النعمة التامة بضدها، واستعمل القدرة في المعصية، فاستحقَّ من العقوبة أكثر مما يستحقه من هو أخفضُ منه (?) رتبةً وأنقص منزلة؛ فإن الرجل كلما كانت نعمةُ اللَّه عليه أتم كانت عقوبته إذا ارتكب الجرائم أتم؛ ولهذا قال تعالى في حق من أتم نعمته عليهن من النساء: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ [وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ] (?) وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)} [الأحزاب: 30، 31] وهذا على وفق قضايا العقول ومستحسناتها؛ فإن العبدَ كلما كمُلت نعمة اللَّه عليه ينبغي له أن تكونَ طاعتُه له أكمل، وشكره له أتم، ومعصيته له أقبح، وشدة العقوبة تابعة لقبح المعصية؛ ولهذا كان أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالمًا لم ينفعه اللَّه بعلمه (?)، فإن نعمة اللَّه عليه بالعلم أعظم من نعمته على الجاهل، وصدورُ المعصية منه أقبحُ من صدورها من الجاهل، ولا يستوي عند الملوك والرؤساء مَنْ عصاهم من خواصِّهم وحشمهم ومن هو قريبٌ منهم ومن عصاهم من الأطراف والبعداء؛ فجعل حد العبد أخف من حد الحر، جمعًا بين حكمة الزجر وحكمة نقصه، ولهذا كان على النصف منه في النكاح والطلاق والعدة، إظهارًا لشرف الحرية وخطرها، وإعطاءَ كل (?) مرتبة حقها من [الأمر كما أعطاها حقها من] (?) القدر، ولا تنتقض هذه الحكمة بإعطاء العبد في الآخرة أجرين (?)، بل هذا محض الحكمة؛ فإن العبد كان عليه في الدنيا حَقَّان: حق للَّه وحق لسيده فأعطي بإزاء قيامه بكل حق أجرًا، فاتفقت حكمة الشرع والقَدَر والجَزاء، والحمد للَّه رب العالمين.