ثم لما كان سرقة الأموال تلي ذلك في الضرر وهو دونه جعل عقوبته قطع الطرف، ثم لما كان القذف دون سرقة المال في المفْسدة جعل عقوبته دون ذلك وهو الجلد (?)، ثم لما كان شرب المسكر أقل مفسدة من ذلك جعل حده دون حد [هذه] الجنايات كلها، ثم لما كانت مفاسد الجرائم بعد متفاوتةً (?) غير منضبطة في الشدة والضعف والقلة والكثرة -وهي ما بين النظرة والخلوة والمعانقة- جعلت عقوباتها راجعة إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور، بحسب المصلحة في كل زمان ومكان، وبحسب أرباب الجرائم في أنفسهم، فمن سوّى بين الناسِ في ذلك وبين الأزمنة والأمكنة والأحوال لم يفقه حكمةَ الشرع، واختلفَت عليه أقوال الصحابة وسيرة الخلفاء الراشدين وكثير [من] (?) النصوص، ورأى عمر قد زاد في حد الخَمرِ على أربعين (?) والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما جلد أربعين (?)، وعزر بأمور لم يعزر بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (?)، وأَنفذَ على الناس أشياء عفا عنها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (?)، فيَظن ذلك تعارضًا وتناقضًا، وإنما أتي من قصور علمه وفهمه، وباللَّه التوفيق.
وأما قوله: "وجعل حد الرقيق على النصف من حد الحر، وحاجتهما إلى الزجر واحدة" فلا ريب أن الشارع فَرَّق بين الحر والعبد في أحكام وسوى بينهما في أحكام؛ فسوى بينهما في الإيمان والإسلام ووجوب العبادات الثلاثة (?) كالطهارة والصلاة و [الصوم لاستوائهما في سببهما، وفرَّق بينهما في العبادات المالية] (?) كالحج والزكاة والتكفير بالمال؛ لافتراقهما في سببهما، وأما الحدود فلما كان وقوعُ المعصية من الحر أَقبحَ من وقوعها من العبد من جهة كمال