كان الدكتور يميل إلى مذهب أبي حنيفة أولاً، وطالما سمعت منه في دورسه، يقول ذلك، ثم رأيته بعد ذلك ميالاً لمذهب أهل الحديث، ويظهر ذلك بوضوح في تحقيقه لجامع الترمذي، وتحقيقاته الأخرى، فهو يرجح ما صحّ في الباب الفقهي من الأحاديث، غير ملتزم بمذهب معين، بل رأيته أحياناً كثيرة يميل إلى ترجيحات شيخ الإسلام ابن تيمية ويقدمها على غيرها، والله أعلم.
يمتاز استاذنا بفطنة عالية وذكاء حاد، وهمّة لا أجد لها نظيرا اليوم، فهو يجلس يقرأ ويبحث ويحقق مايقرب من ثلثي يومه! كنت أذهب إليه أحياناً الساعة الثامنة مساءً أقرأ عليه بعد انتهاء عمله في مؤسسته البشارية -هكذا كنت أسميها- وذهاب طلابه الآخرين الذين يتعلمون عنده، وأجده كما كنت أجده في أوّل النهار! لم يكل ولم يمل، بل أشعر أنه لا يريد ترك قلمه وقرطاسه.
ولابد من الإشارة إلى ما افتراه المغرضون وتعلق به الحاسدون زاعمين أنّه لا يعمل شيئاً، وأنّ طلابه هم من يحقق ويشتغل! وهذا والله محض افتراء، فاستاذنا كان يعمل بيديه ويجلس أمامنا الساعات الطوال يحقق ويكتب، والغريب أن من يثير ذلك ليس كبير أحد، وإنما الكسالى الذين لا ينتجون ولا يكتبون اللهم إلاّ صفحات رسائلهم الجامعية أو قريب منها، لذا فالرجل محقق كبير وعالم بالعلل والرجال منقطع النظير في هذه الأزمنة التي نطقت فيها رويبضات لا يعرفون من العلم إلا اسمه! وكل منصف يعرف إنه عالم متقن لصنعة الحديث، في مصاف العلامة الألباني رحمه الله، ونظرائه.
وغالب من تكلم فيه إنما تكلم بناء على بعض كلام شيخنا المحقق صبحي السامرائي -حفظه الله-،وقد جرى بينهما ما يجري بين الأقران-يغفر الله للجميع- (?)،ومن باب الإنصاف أنا سمعت الدكتور بشار يثني على الشيخ صبحي السامرائي في أكثر من محفل.
وكان الدكتور يبجّل الشيخ الألباني كثيراً، والشيخ ابن باز وابن عثيمين وكذا شيخه وصديقه أبا غدة، وصديقه الشيخ شعيب الأرنؤوط، وشيخه وصديقه الشيخ حمدي السلفي، ويبجل الشيخ سعيد حوّى -