قال تعالى: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77]، الذي قال هذا الكلام علماء ووعاظ من بني إسرائيل يعظون قارون وهو مع موسى في أرض التيه، فاستكبر ورد كل المواعظ، قال الله جل وعلا أنه أجابهم بقوله: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78]، وقد قالوا إنه كان عليماً بالتوراة.
فكلمة: على علم تحتمل معنيين: إما على علم بالطرائق التي تكتسب بها الأموال، وهذا قوي.
والقول الآخر: أي على علم بالشرع، أي: أنا أفهم منكم فيما تنصحوني به.
كمن تأتيه لتنصحه لشيء حرام ارتكبه فيقول: أعرف أنه حرام، فهذا الجواب هو جواب قارون من قبل حيث قال: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78] والمسألة تحتمل جوابين.
قال الله جل وعلا: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ} [القصص:78]، وهذا يؤيد القول الثاني: {أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا} [القصص:78]، قال الله بعدها: {وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:78] وقد جاء في آيات أخر أنهم يسألون.
وقلنا إن الجمع بينهما أن يقال: إنهم يسألون سؤال توبيخ وتقريع لا سؤال استفهام واستخبار؛ لأن الله جل وعلا مطلع عالم بما صنعوا لا تخفى عليه من عباده خافيه.
بعد ذلك أعجبته نفسه لما رأى أنه قد انتصر على هؤلاء الذين وعظوه، والإنسان أحياناً إذا تخلص ممن يعظه يزداد رتبة في الشر فيجنح إلى عمل أعظم، فلما رأى أنه أقنع الذين وعظوه أراد أن يقنع نفسه أنه على الحق فأمر خدمه وحشمه أن يخرجوا معه، قال الله: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ} [القصص:79].