قال الله تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص:76]، والعصبة: الفئام من الرجال من العشرة إلى الخمسة عشر، ولم يكن آنذاك أوراق مالية ورقية، وإنما كانت تحمل بدرات من الذهب والفضة، فكان له كنوز يحملها عشرون أو ثلاثون بغلاً، وينوء بحمل مفاتيحها العصبة من الرجال، {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ} [القصص:76 - 77].
والمعنى: ما رزقك الله إياه من فضل اجعله سبباً لأن تنال به رضوان الله، فكل شيء أعطاك الله إياه من فضل فسخره في مرضات الله، ألا ترى الفتى أحياناً يرزق حسن صوت فهذا يسخره في المحاريب ويصلي بالناس إماماً ويؤثر في خلق الله، وهذا يسخره في الغناء والمجون فيضل الله جل وعلا به أقواماً، والاثنان قد اجتمعا في فضل واحد أعطاهما الله إياه وهو حسن الصوت، إلا أن الأول ابتغى به الله والدار الآخرة، والثاني لم يراع في الله جل وعلا حقاً في تلك النعمة، فقال الله جل وعلا هنا: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77].
بعض العلماء يقول ((وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّّّّّّّّّّّّنْيَا)) أي: لا تنس قيمة الكفن وهو الذي يستحق أن تبقيه، أما غير ذلك لا يهم، وفي هذا القول بعض المبالغة، لكنه يقال للعظة والذكرى، لكن لا تنس نصيبك من الدنيا: أي: لا تصل إلى مرحلة تحتاج فيها الناس.