الحق بعد قيام الحجة وظهور المعجزة أرسل عليه العذاب، وعوجل بالهلاك، واستؤني بهذه الأمة فلم يعاجل من أنكر الحق منهم بالعذاب والاستئصا، وأمر الله عز وجل نبيه بجهادهم، وحملهم على الدين بالسيف ليرتدعوا عن الكفر، فلا يجتاحوا بالعذاب ويأتي على (آخرهم) الهلاك، فإن (بعد) السيف بقية، وليس بعد العذاب المنزل بقية. وقد روي أن قوما من العرب جاءوه فقالوا: يا رسول الله أفنانا السيف. فقال: (ذاك أبقى لآخركم)، فهذا معنى الرحمة المبعوث بها صلى الله عليه وسلم. وأما قول إسحاق وتأويله الحديث على أن المراد بهذا الاختلاف هو ما كان في أيام حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا تأويل فاسد، ولو كان الأمر على ما زعمه لكان قد عدم بيان أمور الدين بعد موته صلى الله عليه وسلم، ولكانت الأمة قد ضلت بعد خروجه من الدنيا عند حدوث الاختلاف فيما بينهم، وهذا باطل، لأنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى آخر نسمة من أمته تخلق في آخر الزمان، كما كان مبعوثا إلى أهل زمانه وعصره، فلم يترك شيئا مما كان حدث وجاز أن سيحدث إلا أودعه بيانا يعلم به حكمُه.
إلا أن البيان على ضربين: (جلي) واضح: وهو ما يتلى أو