عرفة، لأن من أدركها فقد أدرك الحج، وأمكنه أن يجبر سائر الفوات من أعماله، ومن لم يدركه فاته الحج، فلم يستدركه بشيء، وكما يقال: الناس تميم، والمال الإبل ونحوها من الكلام.
ولما كانت النصيحة من باب المضاف استفصلت، فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه، ولنبيه ولأئمة المؤمنين وعامتهم، فجعلها شائعة في (كل سهم) من سهام الدين، وفي كل قسم من أقسامه، وفي كل طبقة من طبقات أهله.
فأما النصيحة لله عز وجل، فمعناه منصرف إلى الإيمان به، ونفي اعتقاد الشرك معه، وترك الإلحاد في صفاته، وبذل الطاعة له، وإخلاص العمل فيما أمر به، ونهى عنه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، والاعتراف بنعمه، والشكر له عليها، وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصيحة نفسه لله، ودعوة غيره من الخلق هإلى هذه الخصال في أمر خالقه عز وجل، والله سبحانه غني عن نصح كل ناصح، وإرشاد كل مرشد، وبه نال الرشد المرشدون، وبنوره اهتدى المهتدون، وبرحمته نجا الفائزون.
وأما النصيحة لكتابه، فمعناه الإيمان به، وبأنه كلام الله ووحيه وتنزيله، وأنه لا يشبه شيئا من كلام المربوبين، ولا يقدر على مثله أحد من المخلوقين، وإقامة حروفه في التلاوة، وتحسينه عند القراءة، والذب عنه في تأويل المحرفين له، وطعن الطاعنين عليه،