إِلَّا أَن أَكثر الْمُحَقِّقين من النَّحْوِيين لَا يجيزون الْجَزْم فِي مثل هَذَا الحَدِيث؛ لِأَنَّهُ يصير الْمَعْنى: إِلَّا ترجعوا بعدِي كفَّارًا تسلموا، وَنَظِير ذَلِك قَوْله: لَا تدن من الْأسد تنج. أَي: إِلَّا تدن، فَجعل التباعد من الْأسد سَببا فِي السَّلامَة وَهَذَا صَحِيح. وَإِن قلت: لَا تدن من الْأسد يَأْكُلك كَانَ فَاسِدا؛ لِأَن التباعد مِنْهُ لَيْسَ سَببا فِي الْأكل. فَإِن قلت: فَلم لَا يقدر: إِن تدن بِغَيْر لَا؟ قيل: يَنْبَغِي أَن يكون الْمُقدر من جنس الملفوظ بِهِ. وَقد ذهب قوم إِلَى جَوَاز الْجَزْم هَا هُنَا على هَذَا التَّقْدِير. و [عَلَيْهِ] يجوز الْجَزْم فِي الحَدِيث، وَقيل: لَيْسَ مُرَاد الحَدِيث النَّهْي عَن الْكفْر، بل النَّهْي عَن الِاخْتِلَاف الْمُؤَدِّي إِلَى الْقَتْل، فعلى هَذَا يكون " يضْرب " مَرْفُوعا، وَيكون تَفْسِير الْكفْر المُرَاد بِالْحَدِيثِ.
(194) وَفِي حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله حَدِيث الْأَخَوَيْنِ اللَّذين اسْتشْهد أَحدهمَا وعاش الآخر بعده حولا قَالَ طَلْحَة: " ... فَرَأَيْت فِي النّوم كَأَنِّي عِنْد بَاب الْجنَّة إِذا أَنا بهما ". قَوْله: (إِذا) هَهُنَا للمفاجأة، وَهِي ظرف مَكَان، [وَالتَّقْدِير: فاجأني رُؤْيَتهمَا، وَالتَّقْدِير بِالْمَكَانِ هما] ، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل بِالْفَاءِ كَقَوْلِك: خرجت فَإِذا زيد، وَقد جَاءَت بِغَيْر فَاء فِي جَوَاب الشَّرْط كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون} . وَفِيه: " فَلَمَّا بَينهمَا أبعد " اللَّام هَهُنَا لَام الِابْتِدَاء و " مَا " بِمَعْنى الَّذِي، وموضعها رفع مُبْتَدأ وَمَا بعده خبر.