وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ يكون تقديره: وآية لهم القمر، ويجوز أن يكون القمر مرفوعا بالابتداء. وقرأ الكوفيون وَالْقَمَرَ بالنصب على إضمار فعل. وهو اختيار أبي عبيد، قال: لأن قبله فعلا وبعده فعلا مثله قبله «نسلخ» وبعده «قدّرناه» قال أبو جعفر:
أهل العربية جميعا فيما علمت على خلاف ما قال، منهم الفراء «1» ، قال: الرفع أعجب إليّ، وإنما كان الرفع عندهما أولى لأنه معطوف على ما قبله فمعناه: وآية القمر والذي قاله: من أنّ قبله «نسلخ» فقبله ما أقرب إليه منه وهو يجري وقبله: والشمس بالرفع، والذي ذكره بعده وهو «قدّرناه» قد عمل في الهاء. ووجه ثان في الرفع يكون مرفوعا بالابتداء، ويقال: القمر ليس هو المنازل فكيف قال: قدّرنا منازل؟ ففي هذا جوابان:
أحدهما أن تقديره: قدرناه ذا منازل مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82] . والتقدير الآخر: قدّرنا له منازل ثمّ حذف اللام، وكان حذفها حسنا لتعدّي الفعل إلى مفعولين مثل وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا [الأعراف: 155] .
لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
رفعت الشمس بالابتداء، «2» ولا يجوز أن تعمل «لا» في معرفة. وقد تكلّم العلماء في معنى هذه الآية فقال: بعضهم معناها أن الشّمس لا تدرك القمر فيبطل معناه، وقيل: القمر في السماء الدنيا والشمس في السماء الرابعة فهي لا تدركه. وأحسن ما قيل في معناه وأبينه مما لا يدفع أن سير القمر سير سريع فالشمس لا تدركه في السير.
وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ مما قد تكلموا فيه أيضا، وقال بعضهم: هذا يدلّ على أن النهار مخلوق قبل الليل وأن الليل لم يسبقه بالخلق، وقيل: لا يجوز أن يتقدّم أحدهما صاحبه لأن وجود هذا عدم هذا ولا يقع فيهما القبل والبعد. وهذا قول أهل النظر، وقيل: كل واحد منهما يجيء في وقته لا يسبق أحدهما صاحبه. قال أبو جعفر: حدّثنا محمد بن الوليد وعلي بن سليمان عن محمد بن يزيد قال: سمعت عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يقرأ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ فقلت ما هذا؟ قال: أردت سابق النهار فحذفت التنوين لأنه أخفّ. قال أبو جعفر: يجوز أن يكون النهار منصوبا بغير تنوين ويكون التنوين حذف لالتقاء الساكنين.
[سورة يس (36) : آية 41]
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)
هذه الآية من أشكل ما في السورة لقوله جلّ وعزّ حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ لأنهم هم المحمولون. فسمعت علي بن سليمان يقول: الضميران مختلفان والمعنى: وآية لأهل