فالجمع في هذا أبين والتوحيد جائز يكون يؤدي عن الجمع، وقال أبو إسحاق في العلة في جوازه لأنه قد علم أن الإنسان ذو عظام، واختار أبو عبيد الجمع واحتجّ بقول الله جلّ وعزّ: وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها [البقرة: 259] أي لأنهم قد أجمعوا على هذا. وهذا التشبيه غلط لأن المضغة لمّا كانت تفترق عظاما كان كلّ جزء منها عظما فكل واحد منها يؤدي عن صاحبه فليس كذا «وانظر إلى العظام» لأن هذا إشارة إلى جمع، فإن ذكرت واحدا كانت الإشارة إلى واحد. ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ مجاز، وخَلْقاً مصدر لأنّ معنى أنشأناه خلقناه، واحد الطرائق طريقة.

[سورة المؤمنون (23) : آية 20]

وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)

وَشَجَرَةً معطوف على جَنَّاتٍ [آية: 19] ، وأجاز الفراء الرفع «1» لأنه لم يظهر الفعل بمعنى «وثمّ شجرة» تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ بفتح السين قراءة الكوفيين على وزن فعلاء. وفعلاء في الكلام كثير يمتنع من الصرف في المعرفة والنكرة لأن في آخرها ألف التأنيث وألف التأنيث ملازمة لما هي فيه، وليس في الكلام فعلاء ولكن من قرأ (سيناء) «2» بكسر السين جعله فعلالا، ومنعه من الصرف على أنه للبقعة وقال الأخفش: هو اسم عجمي. وقد ذكرنا «3» تنبت وتنبت.

[سورة المؤمنون (23) : آية 29]

وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)

مصدر، ومنزلا بفتح الميم بمعنى اجعل لي منزلا. قال أبو إسحاق: ومن قرأ مُنْزَلًا «4» بفتح الميم والزاي جعله مصدرا من نزل نزولا منزلا.

[سورة المؤمنون (23) : آية 33]

وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33)

وزعم الفراء «5» أن معنى وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ على حذف «منه» أي ويشرب مما تشربون منه. وذا لا يجوز عند البصريين فلا يحتاج إلى حذف البتّة لأن «ما» إذا كانت مصدرا لم تحتج إلى عائد فإن جعلتها بمعنى الّذي وحذفت المفعول، ولم يحتج إلى إضمار من. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ «6» بما لا يحتاج إلى زيادة.

[سورة المؤمنون (23) : آية 36]

هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015