إلى توحيد الله تعالى وذكره وترك الآلهة دونه، وصار «انطلق الملأ» لما أضمر القول بعده لمعنى فعلٍ يتضمن القول، نحو: «كتبت» وأشباهه.
والوجه الأخر: أن يكون «انطلقوا» بمعنى: «تكلموا» كما يقال: انطلق زيد في الحديث، كأن خروجه عن السكوت إلى الكلام هو الانطلاق.
ويقال في «أن امشوا» : أن اكثروا وانموا. وليس «المشي» هاهنا قطع الأماكن بل المعنى هو الذهاب في الكلام، مثل: (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا) (?) . ومعنى «المشى» هو الدؤوب والملازمة والمداومة على عبادتها، مثل: (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) (?) ليس يريد الانتصاب، وإنما يريد الاقتضاء، ومثل: (الْقَيُّومُ) (?) ، أي: المديم حفظه خلقه.
فإن قيل: فإذا كان تأويل المشى على ما ذكرتم فغير ممتنع أن يكون التقدير: انطلقوا بالمشى لأنه يكون على هذا المعنى: أوصوهم بالملازمة لعبادتها، قيل «الوصية» وإنما هي العبادة في الحقيقة لا بغيرها، فلا يجوز تعليق «الوصية» بغير العبادة. وأيضا ليس المعنى: ذهبوا في الكلام وخاضوا فيه بالمداومة والملازمة بالعبادة.
وأما قوله: (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) (?) . «أن» بمعنى: أي، وهي تفسير «أمرتني» ، لأن في الأمر معنى «أي» :
ولو قلت: ما قلت لهم إلا ما قلت لي أن اعبدوا الله، لم يجز، لأنه قد ذكر القول، وإن «أن» إذا كانت بمعنى «أي» ، فهى تحتاج إلى ثلاثة شرائط:
أولها: أن يكون الفعل والذي يفسره، أو يعبر عنه، فيه معنى القول وليس بقول، وقد مضى هذا.