قالوا أتجعل فيها من يُفسدُ، وهذه حالنا في التسبيح والتقديس، أم الأمر بخلاف ذلك، فجاء الجواب على طريق التعريض من غير تصريح في قوله: (إنِّي أعلمُ ما لا تَعَلمون)، قال: وهذا الاختيار؛ لأنّ أصل الألف للاستفهام، فلا يُعدل بها عنه إلا أنّ لا يصح التأويل عليه، وسمع أبا محمد مكي بن أبي طالب بعضُ شيوخنا يقول: الاستفهام فيه معنى الإنكار، ولا يجب أنّ تحمل الألف عليه، وكان يسميها ألف التعجب كأنّ الملائكة تعجبت من ذلك.
وأما أنا فأرى أنها ألف استرشاد، كأنّ الملائكة استرشدت الله تعالى وسألته: ما وجه المصلحة في ذلك.
...
فصل:
ومما يسأل عنه أن يقال: من أين علمت الملائكة أنّهم يُفسدون في الأرض؟
ففي هذا جوابان:
أحدهما: أنّ الله تعالى أعلمهم أنّه يكون من ذرية هذا الخليفة من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فاقتضى ذلك أنّ سألوا هذا السؤال، وهذا معنى قول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما.
والجواب الثاني: أنّ الجن كانوا في الأرض، فكفروا وأفسدوا وسفكوا الدماء فلما أخبرهم الله تعالى أنّه جاعل في الأرض خليفة. أحبوا أنّ يعلموا هل سبيله في ذلك سبيلَ من كان فيها من الجن.
وإلى القول الأول يذهب أهل النظر. فإن قيل: فليس في القرآن إخبارٌ بذلك قيل: هو محذوف، اكتفى منه بدلالة الكلام؛ إذ كانت الملائكة لا تعلم الغيب.
وقيل في قوله (إني أعلمُ مَا لا تَعلمون) أنّه ناب عن الجواب الذي هو (نعم). وقيل معناه: إني أعلم من المصلحة والتدبير ما لا تعلمون. وقيل معناه: إني أعلم ما لا تعلمون من أنّ ذلك الخليفة يكون من ذريته أهل طاعةٍ وولاية، وفيهم الأنبياء.