وروي عن الزجاج أيضًا أنّه استثناء يجوز أن يكون وقع على قوله: (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) من أنواع العذاب التي لم تذكر. وفي أهل الجنة استثناء مما دل عليه الكلام، كأنّه قال: لهم نعيم ما ذكر وما لم يذكر مما شاء الله.
قال بعض الكوفيين: " إلا " بمعنى " الواو " أي: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض وما شاء ربُّك من الزيادة على دوامهن في الدنيا.
وقال بعضهم: هو استثناء في أهل الشقاء على تقدير: إلا ما شاء ربك من الوقت الذي يسعدهم فيه بدخول الجنة. وفي أهل السعادة إلا ما شاء ربك من الوقت الذي أشقاهم فيه بدخول النار، و " ما " للزمان الذي يكونون فيه، وهو في الموضعين للموحدين العصاة.
وقال جماعة: الاستثناء لأهل التوحيد، والمعنى: إلا ما شاء ربُّك أن يتجاوز عنهم، ولا يدخلهم النار. قال أبو مجلز: جزاؤه إن شاء تجاوز عنهم والاستثناء من الأعيان وهو العصاة من الموحدين، و (ما) بمعنى (من)، وكان الحسن يقول: استثنى ثم عزم (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)، وإنه أراد أن يخلدهم بقوله (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ).
وقال بعضهم المعنى: خالدين فيها بعد إعادة السماوات والأرض، لأنّه تعالى يفنيهما حتى تكونا آخراً كما كانتا أولًا، ثم يعيدهما. فاستثنى (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ)، فوقع الاستثناء على موقفهم فى الحساب حتى يفرغ منه.
وقيل: الاستثناء واقع على الموقوفين على النار من المؤمنين، فإذا أخرجوا من النار بالشفاعة، وأدخدوا الجنة سقط الاستثناء عنهم وعن أهل النار، وبقي كل فريق فيها بعد مخلداً أبد الآبدين، وهو كقول قتادة والضحاك.
فهذه أقوال العلماء، وفيها تداخل إلا أني أوردتها على ما سمعتها من شيوخنا رضي الله عنهم وأما تجديد الخلود بدوام السماوات والأرض فقال قتادة: ما دامت السماوات والأرض مبدلتين.
وقال عبد الرحمن بن زيد: ما دامت السماء سماءً والأرض أرضاً، وقيل: ما دامت سماوات أهل الآخرة وأرضهم، وقيل: العرب تستعمل دوام السماوات والأرض في معنى الأبد؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنّ ذلك لا يتغير فخاطبهم الله تعالى على قدر عقولهم وما يعرفون.