وقيل: إنّ (ما) بمعنى (من) والاستثناء من الأعيان. والتقدير: إلا من شاء ربك أن يخرجه بتوحيده من النار ويدخله الجنة. وإلا من شاء ربك من أهل الجنة ممن يدخله النار بذنوبه وإصراره ثم يخرجه منها. وهو أيضا كقول قتادة.
وروي عن السُّدِّي أنّه قال: الاستثناء لأهل الشقاء هو لأهل التوحيد الذين يدخلون النار فلا يدومون فيها مع أهلها بل يخرجون منها إلى الجنة، وفي أهل السعادة استثناء مما يقضى لأهل التوحيد المخرجين من النار، فالاستثناء لأهل الشقاء على هذا من الأعيان، و (ما) بمعنى (من) ولأهل السعادة من الزمان، و (ما) على بابها، وقد روي مثل هذا عن الضحاك، وهو قريب من قول قتادة.
وقال يحيى بن سلام البصري: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) يعني ما سبقهم به الذين دخلوا قبلهم من الفريقين، واحتج بقوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا) (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) قال: والزمرة تدخل بعد الزمرة، فلابد أن يقع بينهما تفاوت في الدخول، والاستثناءان على هذا من الزمان.
وقال الفراء والزجاج وغيرهما: هو استثناء تستثنيه العرب وتفعله. كقولك: والله لأضربن زيداً إلا أنّ أرى غير ذلك، وأنت عازم على ضربه، والضمير عائد على المؤمنين والكافرين الذين تقدم ذكرهم.
وقال المازني: هو استثناء من الزمان الذي هم فيه، في قبورهم إلى أن يبعثوا. وقال الزجاج أيضاً مثل هذا.
وقال جماعة من المفسرين: الاستثناء واقع على مقامهم في الحشر والحساب؛ لأنَّهم حيننذ ليسوا في جنة ولا نار.
وقال جماعة من أصحاب المعاني: هو استثناء واقع على الزيادة في الخلود على مقدار دوام السماوات والأرض في الدنيا، ثم قال (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) من الزيادة في مدة الخلود على دوام السماوات والأرض في الدنبا.
قال أبو عبيدة: عزيمة المشيئة تقدمت بخلود الفريقين، فوقع الاستثناء، والعزيمة قد تقدمت بالحتم في الخلود، وهو كقول الفراء والزجاج في بعض ما روي عنهما.