في هذه الآية حجة على من أنكر القياس، لأنّ الله تعالى احتج بذلك على المشركين، ولا يجوز أنّ يحتج عليهم إلا بما فيه طريق القياس؛ لأنّ قياس خلق عيسى من غير ذكر كقياس آدم، وهو في عيسى أوجب، لأنّ آدم عليه السلام من غير أنثى ولا ذكر.
وهذه الآية نزلت في السيد والعاقب من وفد نجران، وذلك أنهما قالا للنبي صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ولداً من غير ذكر. فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهذا قول ابن عباس والحسن وقتادة.
* * *
فصل:
ويُسأَل عن رفع قوله (فيكونُ)، ولمَ لمْ يجز نصبه على جواب الأمر الذي هو (كن)؟
فالجواب: أنّ جواب الأمر يجب أنّ يكون غيره في نفسه أو معناه، نحو: ائتني فأكرمك، وائتني فتحسن إلي، ولا يجوز: قم فتقوم، لأنّ المعنى يصير: قم فإن تقم فقم، وهذا لا معنى له، فلذلك لم يجز في الآية. فإن قيل: فقد جاء (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40))
قيل: هذا معطوف على قوله (أنّ نقولَ)، وقوله تعالى (فيكونَ) معناه (فكان) إلا أنّه أوقع الفعل المستقبل في موضع الماضي، ومثله قول الشاعر:
وانْضَحْ جَوانِبَ قَبْرِهِ بدِمائها ... ولَقَدْ يَكُونُ أَخا دَمٍ وذَبائِح
* * *