الزهرة في أحوال النساء.
وقوله (فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) أي حال تحويل الدم غاذياً للعظام لا يكون عنهُ إلا اللحم والشحم وكل ما يزيد وينقص، وهذا شأن عطارد، تارة يتقدم وتارة يتاخر ويعتدل، وكذا في اللحم
البدن، وهذه المرتبة هي التي يكون فيها الإنسان كالنبات، ثم يطول الأمر حتى يشتد، ثم يتم إنساناً يفيض الحياة والحركة بنفخ الروح، فلذلك قال مُغلماً للتعجب والتنزيه عند مشاهدة دقيق
هذه الصناعة (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) وهذا هو الطور السابع الواقع في حَيِّز القمر.
وفي هذه الآية دقائق: (الأولى) عبر في الأول ب (خلقنا) ، لصدقه على الاختراع، وفي الثاني ب (جعلنا) لصدقه على تحويل المادة، ثم عبر في الثالثة وما بعدها كالأول لأنه أيضاً إيجاد ما لم
يسبق، (الثانية) مطابقة هذه المراتب لأيام الكواكب المذكورة ومقتضياتها للمناسبة الظاهرة وحكمة الربط الواقع بين العوالم،
(الثالثة) قوله (فَكَسَوْنَا) وهي إشارة إلى أن اللحم ليس من أصل
الخلقة اللازمة للصورة، بل كالثياب المتخذة للزينة والجمال؛ وأن الاعتماد على الأعضاء والنفس خاصة،
(الرابعة) قوله تعالى: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ) سماه بعد نفخ الروح إنشاء لأنه حينئذ قد تحقق بالصورة الجامعة،
(الخامسة) قوله (خَلْقًا) ولم يقل إنساناً ولا آدمياً ولا بشراً لأن النظر فيه
حينئذ لما سيُفاضُ عليه من خلع الأسرار الإلهية، فقد آن خروجه من السجن وإلباسه المواهب،
فقد يتخلق بالملكيات فيكون خلقاً ملكياً قدسياً، أو بالبهيمية فيكون كذلك، أو بالحجرية إلى غير ذلك؛ فلذلك أبهمَ الأمرَ وأحاله على اختياره وأمر بتنزيهه على هذا الأمر الذي لا يشاركه فيه غيره.
وفي الآية من العجائب ما لا يمكن بسطه هنا، وكذلك سائر آيات هذا الكتاب الأقدس:
ينبغي أن تفهم على هذا النمط. انتهى كلام الحكيم المفسر.
وأنت لو عرضت ألفاظَ هذه الآية على ما انتهى إليه علماء تكوين الأجنة وعلماء التشريح وعلماء الوراثة النفسية، لرأيت فيها دقائق علومهم، كان هذه الألفاظ إنما خرجت من هذه العلوم
نفسها، وكأن كل علم وضع في الآية كلمته الصادقة، فلا تملك بعد هذا أن تجد ختام الآية إلا ما ختمت هي به من هذا التسبيح العظيم (فَتَبَارَكَ اللَّهُ) .