الذي جاء بالقرآن كان آخر الأنبياء من الناس، إذ جاءهم بهذا الدين الكامل، ولا حاجة بالكمال الإنساني لغير العقول ينبه إليه بعضها بعضاً، ومن لا يُجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض! .
وقد أشار القرآن إلى نشأة هذه العلوم وإلى تمحيصها وغايتها على ما وصفناه آنفاً، وذلك قوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) .
ولو جمعتَ أنواع العلوم الإنسانية كلها ما خرجت في معانيها من قوله
تعالى: (فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) هذه آفاق، وهذه آفاق أخرى، فإن لم يكن هذا التعبير من الإعجاز الظاهر بداهة فليس يصح في الأفهام شيء.
ذلك وأن من أدلة إعجاز هذا الكتاب الكريم أن يخطئ الناس في بعض تفسيره على اختلاف العصور، لضعف وسائلهم العلمية ولقصَر حبالهم أن تعلقَ بأطراف السموات أو تحيطَ بالأرض، ثم تصيب الطبيعة نفسها في كشف معانيه؛ فكلما تقدم النظر، وجمعت العلوم، ونازعت
إلى الكشف والاختراع، واستكملت آلات البحث، ظهرت حقائقه الطبيعية ناصعة حتى كأنه غاية لا يزال عقل الإنسان يَقطَعُ إليها، حتى كأن تلك الآلات حينما توجَّه لآيات السماء والأرض توجه
لآيات القرآن أيضاً (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) .
ذلك هو الأمرُ في العلوم الألى (ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) .