والجفاء والاستكراه بحيث وصفوهم، أو بحيث يجوز ذلك في صفتهم، وإن فيهم لمتكلمين، وإن منهم لشعراء والخطابُ في القرآن كان يسمعه العرب واليهود جميعاً، فلا هؤلاء ينكرون من أمره ولا أولئك.
ونحن فما ندري كيف نبلغ صفة هذا الوجه المعجز الذي غاب عن العرب ولم يدركه إلا المقصودون به، وهم الذين وصفوهم بتأخر المعرفة وبلادة الذهن، وهم أحبار اليهود ورؤساؤهم
وأهل العلم فيهم، وما يمكن أن يهتدي إلى هذا الوجه بليغ عربي من بلغاء ذلك العهد إلا بوحي وتوفيق من الله، فإنه في الحقيقة سر من أسرار الأدب العبراني، جرى القرآن عليه في أكثر
خطابهم خاصة ليعلموا أنه وضع غير إنساني، وليحسوا معنى من معاني إعجازه فيما هم بسبيله، كما أحس العرب فيما هو من أمرهم؛ إذ كان أبلغ البلاغة في الشعر العبراني القديم أن تجتمع له: رشاقة العبارة، وحسن المعرض، ووضوح اللفظ، وفصاحة التركيب، وإبانة المعنى، وتكرار
الكلام لكل ما يفيده التكرار وتوكيداً ومبالغة وإبانة وتحقيقاً ونحوها، ثم استعمال الترادف في اللفظ والمعنى، ومقابلة الأضداد وغيرها، مما هو في نفسه تكراز آخر للمحسنات اللفظية،
وتحسينَ للتكرار المعنوي.
وإنا لنظن أن تهمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه شاعر لم تكن ابتداء إلا من قِبل بعض اليهود.
ثم تعلق بها بعض العرب مكابرة، فإنهم ليعرفون أن القرآن ليس بشعر من شعرهم، ولا هو في أوزانه، وأعاريضه وفنونه وطُرقه ولكنهم تجوزوا إلى ذلك ببراعة العبارة، وسمو التركيب، وتصوير
الإحساس اللغوي بألوان من المجاز والاستعارة والكناية وغيرها مما يكون القليل من جيِّده خاصاً بالفحل من شعرائهم. ويكون مع ذلك حقيقة الإحساس اللغوي في شعره، وأين هذا الوجه البعيد
الذي لا يستقيم في الرأي إلا بعد التمحل له، والتجوز فيه من قولهم إنه (شاعر) ؛ ولفظ الشاعر عندهم متعينُ المعنى متحقق الدلالة ليس فيه لبس ولا إبهام ولا تجوّز؛
على أن كلامنا آنفاً في عجز العرب عن معارضة السورة القصيرة من القرآن، وعدم تأتيهم