Q كيف نجمع بين قولي النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب مقادير العباد قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) ، وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر) ؟
صلى الله عليه وسلم لا منافاة بينهما، فالله تعالى كتب مقادير الخلائق ولا يتغير شيء عما خلقه، ولكنه جعل أسباباً أزلية في هذا الكون، كما أن الأعمال الصالحة أسباب أزلية في السعادة والأعمال السيئة أسباب أزلية في الشقاوة، فكذلك من جملة الأسباب الأزلية البر وحسن الخلق وصلة الرحم وما أشبه ذلك، فقال: (من أحب أن يزاد له في أجله، وأن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه) جعل ذلك سبباً، ولكن ليس مغيراً لقدر الله الذي كتبه قبل أن تخلق المخلوقات، ولكنه مكتوب في الأزل أن هذا يزاد عمره بسبب الصلة، ولو كان عاقاً لكان عمره ناقصاً، وهذا يزاد في رزقه بسبب الدعاء، ولو لم يدع لكان رزقه ناقصاً، فكتب الله أن هذا يدعو، وهذا يعصي، وهذا يطيع، وهذا يعمل صالحاً فيسعد، فكل ذلك مكتوب في الأزل وليس أمراً حادثاً، بل هو أمر أزلي يصدق بذلك كله، ولذلك الصحابة لما قالوا: (يا رسول الله! أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له) .
الله تعالى يسر الإنسان وهداه: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل:36] ، والكل يحيا موافقاً للقضاء والقدر، لكن الإنسان مأمور بأن يعمل ويجتهد في العمل، ويعرف أن هذا لا يخالف القضاء والقدر.