قال المصنف رحمه الله: [هذا أصل الدين والمذهب] .
جميع ما تقدم في هذه الرسالة جعله أصلاً، وأنت تعرف أن الأصل هو الأساس؛ لأنه الذي يُبنى عليه غيره كأساس الحائط والعمود، فإنه إذا تأصل وثبت تحمل ما يبنى عليه، وأما إذا كان على شفا جرف هار فإنه يسقط، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} [التوبة:109] ، والجرف: هو ما يحفر في السيل، فإذا كان الإنسان بنى جداره قريباً من مجرى السيل، وجاء له السيل فحفر تحته وحمل التراب الذي تحته يبقى الجدار متعلقاً فيسقط، فهذا معنى قوله تعالى: {أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة:109] ، وهو مثال.
فيقول: إن هذه القواعد وهذه العقائد هي أصل الدين -يعني: أساسه، ولاشك أن الأصل له فروع، فإذا ثبت الأصل واستقر فإن الأصول لها فروع تكون تابعة لها ومكملة، ولا شك أن من حافظ على الأصول حرص على الفروع، فمن عرف الله تعالى حق المعرفة، وآمن بقدرته وبعلمه وبسمعه وبصره وبعذابه وثوابه وبمنعه وعطائه، وتحقق بأنه قادر على أن يبطش بالعاصي وينزل به عقوبته، وبأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، وآمن بالبعث بعد الموت وما يكون فيه لا شك أنه تنبعث جوارحه إلى الطاعات، فهذا معنى كونه على أصل وأساس تنبعث جوارحه، فيبادر إلى الصلوات ويكثر من نوافل العبادات، ويكثر من ذكر الله تعالى في كل الحالات، ويؤدي الصدقات والزكوات وما أشبهها، ويكثر من صيام التطوعات وما أشبهها، ويحج ويعتمر ويجاهد ويذكر الله ويدعوه ويتصدق، ويدعو إلى الله تعالى ويتعلم ما ينفعه ويتدبر كتاب الله، لأن هذا الإيمان والأصل الأصيل الذي امتلأ به قلبه دفعه إلى هذه الأعمال كلها.
وكذلك أيضاً لابد أنه يبتعد عن الآثام وأنواع الإجرام إذا علم وتحقق أن ربه شديد العقاب وأنه سريع الحساب وأنه عزيز ذو انتقام وأنه يغضب على من عصاه وينتقم منه حرص على أن يبتعد عن المعاصي.
إذاً فالأصل الأصيل هو العقيدة، وإذا ثبتت هذه العقيدة فالفروع التي تتفرع عنها تابعة لها مستلزمة لها.
وأما المراد بالمذهب فهو ما قال به إمام مجتهد ومات وهو عليه، فيسمى مذهباً له، ولكن معروف أن أئمة أهل السنة كلهم متفقون على العقيدة، وليس بينهم اختلاف في العقيدة، فمذهبهم في العقيدة واحد، وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم.