في الحقيقة هذه الوصايا عظيمة، ولو أعطيناها حقها لكانت كل وصية تعتبر درساً، وذلك لأنه جمع فيها مثل هذه الإرشادات العظيمة.
والتعفف في المأكل والمشرب والملبس يريد به الاقتصار على الحلال والبعد عن الحرام والبعد عن المشتبه، ومعلوم أن التعفف معناه: التورع.
وذلك لأن الكسب ينقسم إلى ثلاثة أقسام: حلال صريح، وحرام صريح، ومشتبه، وقد ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان المشهور: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) ، لذلك أمرنا بالتعفف في المأكل والمشرب والملبس، أي أني لا أقدم على الشيء الذي أخشى أن يكون فيه شبهة وأن يكون من الحرام، بل أبتعد عنه حتى يسلم ديني، وذلك لأن التغذي بالحرام يكسب البدن سوء تغذية، فإذا تغذى بهذا الحرام أو بهذا المشتبه تغذى بدنه على شيء محرم مما يكون سبباً في عدم قبوله للنصائح وعدم انصياعه للأوامر والإرشادات وما أشبه ذلك، فيقال: هذا لا تؤثر فيه الموعظة.
هذا لا يقبل النصيحة.
هذا لا يتأثر بالإرشادات ولا بالنصائح ونحوها.
والسبب هو أن لحمه نبت على سحت وتغذى بحرام فأثر ذلك في قسوة قلبه وصدوده عن الخير.
إذاً فالتعفف سبب لين القلب، وكذلك الاقتصار على الحلال سبب لرقته ولإقباله على الله ولتقبله النصائح والعظات.