لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم زاره بعض أصحابه فأخذ يوصيهم بوصايا قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بما كنت أجيزهم، وسكت في الثالثة أو نسيها، وقال في تلك الحال: ائتوني بكتاب أكتب لكم عن كتاب لا تضلوا بعده) ، وكان في البيت أصوات، فقال عمر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعب وشق عليه فدعوه وعندنا كتاب الله تعالى لا نضل بعده، فلم يكتب لهم، هكذا ورد الحديث عنه أنه قال: (عندنا كتاب الله) والرافضة قالوا: هذا حقد من عمر، أراد بذلك أن يصرف الإمامة عن علي، وإن الرسول لما طلب كتاباً ما أراد بذلك إلا أن يكتب الخلافة لـ علي، ولكن عمر لما فطن لذلك صرفهم عن الكتاب ومنع الرسول أن يكتب الكتاب، فجعلوا ذلك عيباً لـ عمر، ويذكر أن ذلك يذكره صاحب الكتاب الذي عنوانه (ثم اهتديت) ، وهو مغربي ضل لما زار الرافضة ونصرهم، وصاحب كتاب (المراجعات) ، وكذلك ابن المطهر.
فالحاصل أنه في هذه الحال ما أراد إلا الرفق بالنبي صلى الله عليه وسلم لما رآه متعباً مجهداً، وعلم أيضاً أن في الكتاب ما يدل عليه في كتاب الله تعالى، فهل يكون عليه عيب في هذا؟ نقول: لا شك أنه ليس عليه عيب، بل الأصل أنه رضي الله عنه ما أراد إلا خيراً، ولم يرد أن يصرف النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء يريده، ثم أيضاً أهل السنة يقولون: إنه لو استخلف لما استخلف غير أبي بكر، ويدل عليه أنه استخلفه في الصلاة، وأنه قال: (يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر) ، وغير ذلك من الأدلة التي أشار إليها تدل على أن الخليفة بعده أبو بكر، فلو كتب كتاباً في الولاية لما ولى غير أبي بكر.
إذاً الرافضة في قولهم: إن عمر أراد بذلك أن يحقد على علي، وإنه أراد بذلك صرفه عن أي وصية لـ علي هذا من بهتانهم وكذبهم.
ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وتحقق موته أنكر ذلك كثير من الصحابة، ومنهم عمر، وظنوا أنه إغماء، فكان عمر يقول: لا تقولوا مات، إنه حي، وسيجلد أناساً قالوا ذلك.
وما أرد بذلك إلا إحسان الظن، وأن الله تعالى سيمتعه حتى يعيش، وفي نظره أنه مغمى عليه وأنه لم يمت، ولكن الرافضة حملوا فعله هذا على محمل بعيد، فقالوا: ما أراد بذلك إلا أن ينشئ انشغالاً عن استخلاف علي حتى يأتي أبو بكر، وكان أبو بكر غائباً، فأراد بذلك أن ينشغلوا، وإلا فإنه متيقن بأنه قد مات وبأن الموت واقع لا محالة، ولكن لما خاف أنهم يقولون: إنه استخلف علياً، وإنه ولى علياً.
أراد بذلك أن يشغلهم.
وعلي لم يقل: إني خليفة.
ولم يقل أحد: إنه خليفة.
ولم يقل أحد: إنه إمام وإنه استخلفه أو ولاه.
وأبو بكر أيضاً لم يقل: إني مستخلف.
ولم يكن يطلب خلافة، ولكن يظنون الظنون البعيدة، فيحملون الكلام ما لا يطيقه وما لا يتحمله.
ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد جهز جيشاً إلى الشام وأمر عليهم أسامة بن زيد، وأمر أن يكون فيهم أبو بكر وعمر، فلما توفي صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر قد استخلف وأصبح والياً على المسلمين، فلابد أن يجلس في المدينة، ومن الضروري أن يجلس معه عمر؛ لأنه معه كالوزير، أما الجيش فإنه جهزه أبو بكر وأرسله إلى الشام، فأغار على الدور ورجع سالماً غانماً، فجعلوا هذا أيضاً من المثالب، فقالوا: لماذا تخلفوا عن جيش أسامة؟ ما أردوا بذلك إلا أن يظلموا علياً حقه، وأن يبخسوه ويتولوا الولاية ويأخذوها عنه.
ونحو ذلك، وكل هذا أيضاً من البهتان والكذب عليهم.
فالحاصل أنهم بذلك وجهوا هذه المثالب إلى الصحابة رضي الله عنهم يريدون بذلك التشفي وتبرير مواقفهم ومعتقداتهم.