ثم يقول: [ويؤمنون بمسألة منكر ونكير، على ما ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] .
ورد في أحاديث -وإن لم تكن في الصحيح- أن فتاني القبر اسمهما منكر ونكير، يقال لأحدهما: منكر، وللآخر نكير.
وإن أنكر بعضهم صحة الأحاديث في ذلك، ولكنها مع كثرتها قد يشهد بعضها لبعض، والفتانان في القبر ثبت في الخبر أنهما اللذان يفتنان الناس.
ومما يدل على ذلك الآية في سورة إبراهيم، فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له: إن الإنسان في الدنيا إذا جاءه من يفزعه ويسأله هذه المسائل المفزعة قد يتلعثم ويتحير؛ لأنه ذكر أن الملائكة الذين يعذبون أصواتهم مثل الرعد، وأبصارهم مثل البرق الخاطف، فكيف يثبت الإنسان أمام هؤلاء؟! فقرأ هذه الآية: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] ، فتثبيتهم في الدنيا هو تثبيتهم على العقيدة والشهادة والإيمان {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، والقول الثابت منه الشهادتان، وأركان الإيمان، ومعرفة الله تعالى، ووصفه بصفات الكمال، وتنزيهه عن صفات النقص وما أشبهه ذلك.
وبقي التثبيت في البرزخ {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} ، ومن الآخرة البرزخ، فيثبتهم الله في البرزخ عندما تأتيهم الملائكة الذين رؤيتهم وأصواتهم وأبصارهم مفزعة، فإن الله يثبتهم ويربط على قلوبهم فلا يفزعون، بل يثبت أحدهم فيقول: ربي الله، ديني الإسلام، نبيي محمد.
كما ذكر ذلك في حديث كسوف الشمس لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقد ذكر أنه رأى في صلاته أنكم تفتنون في قبوركم مثل فتنة المسيح الدجال، وذكر أنه يقال لأحدنا: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وكل ذلك دليل على أن هذه الآية -كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم- دالة على عذاب القبر.
وقد ذكرنا أن ابن كثير وابن جرير سردا عندها أحاديث كثيرة تتعلق بعذاب القبر.