عذاب القبر ونعيمه في عقيدة أهل السنة

قال الشيخ الحافظ أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله تعالى في بيان اعتقاد أهل السنة: [ويقولون: إن عذاب القبر حق يعذب الله من استحقه إن شاء، وإن شاء عفا عنه؛ لقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] ، فأثبت لهم ما بقيت الدنيا عذاباً بالغدو والعشي دون ما بينهما، حتى إذا قامت القيامة عذبوا أشد العذاب بلا تخفيف عنهم كما كان في الدنيا، وقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:124] يعني: قبل فناء الدنيا؛ لقوله تعالى قبل ذلك: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] بين أن المعيشة الضنك قبل يوم القيامة، وفي معاينة اليهود والنصارى والمشركين في العيش الرغد والرفاهية والرفاهة في المعيشة ما يعلم به أنه لم يرد به ضيق الرزق في الحياة الدنيا؛ حيث إن المشركين في سعة من أرزاقهم، وإنما أراد به قبل الموت بعد الحشر.

ويؤمنون بمسألة منكر ونكير على ما ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] ، وما ورد تفسيره عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ويرون ترك الخصومات والمراء في القرآن وغيره، كقول الله عز وجل: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر:4] يعني: يجادل فيها تكذيباً بها.

والله أعلم.

ويثبتون خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الصحابة إياه.

ثم خلافة عمر بعد أبي بكر رضي الله عنه باستخلاف أبي بكر إياه.

ثم خلافة عثمان رضي الله عنه باجتماع أهل الشورى وسائر المسلمين عليها عن أمر عمر.

ثم خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ببيعة من بايع من البدريين عمار بن ياسر وسهل بن حنيف ومن تبعهما من سائر الصحابة مع سابقته وفضله.

ويقولون بتفضيل الصحابة الذين رضي الله عنهم] .

من الإيمان بالغيب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وهذا داخل في قول الله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:2-3] أي: يؤمنون بكل ما غاب عنهم من أمر الآخرة ومقدماتها.

فعذاب القبر ونعيمه أمر غيبي؛ لأنا لا نشاهده، ولذلك جعل من أمر الآخرة، ولو كنا نحن الذين نواري الأموات وندفنهم ونجهزهم، ولكن نعرف أنهم قد خرجوا من الدنيا ودخلوا في حيز الآخرة، فهم في عداد أهل الآخرة، وأمر الآخرة محجوب عنا لا نطلع على تفاصيله، فلذلك صار من الإيمان بالغيب، ودخل في الإيمان باليوم الآخر، فمن أركان الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، والقدر، فنقول: إن الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وما يكون في البرزخ داخل في اليوم الآخر.

يقول العلماء: (من مات فقد قامت قيامته) إذا مات الإنسان وخرج من الدنيا فقد قامت عليه القيامة؛ حيث إنه أصبح من أهل الآخرة، وطويت أعماله وختم عليها، لا يستطيعون نقصاً من السيئات ولا زيادة في الحسنات، علم مقعده من الجنة أو مقعده من النار، فدخل في عالم الآخرة وعرف مآله وحالته فيكون من أهل الآخرة.

ثم عذاب القبر ونعيمه هو أنه يعذب في البرزخ بحيث يصل العذاب إليه، أو ينعم بحيث يصل النعيم إليه، ومعلوم أن العذاب: هو الآلام التي تؤلم الإنسان ويتضرر بها، فالعذاب في الدنيا مثل الضرب والجلد والتجريح والطعن فهذا عذاب حسي، ومثل السب والثلب والعيب والقدح والقذف والإيذاء باللسان هذا يسمى عذاباً معنوياً، ولكن العذاب الذي ذكر في البرزخ هو عذاب حسي، والنعيم الذي ذكر في البرزخ هو نعيم حسي، ولكنه على الأرواح، فنقول: دلت على هذا العذاب مفصلاً الأحاديث الكثيرة، فمنها حديث البراء المشهور الذي روي في السنن والمسند وغيره، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال إلى الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت عليه ملائكة بيض الوجوه، معهم أكفان من الجنة وحنوط من الجنة، فيجلسون منه مد البصر، فيأتيه ملك الموت ويجلس عند رأسه فيقول: أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب! اخرجي إلى روح وريحان، ورب غير غضبان.

فيسلها من بدنه كما تسل الشعرة من العجين، فإذا أخذها لم يتركوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك الأكفان وذلك الحنوط، فيصعدون بها إلى السماء، ويخرج منها كأطيب ريح وجدت في الدنيا، ثم يمرون بها على الملائكة كلما مروا على ملأ من الملائكة سألوهم: ماهذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان.

بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، فإذا صعدوا بها إلى السماء يقول الله تعالى: ردوا عبدي إلى الدنيا؛ فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى.

فتعاد روحه إلى جسده، ويأتيه ملكان فيجلسان عند رأسه فيقولان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد.

فيقولان: قد عرفنا ذلك، نم هنيئاً.

فينام كنومة العروس لا يوقظه إلا أحب الخلق إليه، فيفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وريحانها، فإذا رأى ذلك قال: رب! أقم الساعة) ، وفي رواية: (فيأتيه رجل طيب الريح، حسن الوجه، فيقول: أبشر باليوم الذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد.

فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح) ، والحديث طويل، وفيه أيضاً أحاديث أخرى، وهذا بالنسبة إلى أهل السعادة، وذكر بضد ذلك أهل الشقاوة فيقول: (إن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزلت عليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم حنوط من نار، وأكفان من النار، فيجلسون منه مد البصر، فيأتيه ملك الموت فيقول: أيتها الروح الخبيثة كانت في الجسد الخبيث! اخرجي إلى سخط من الله وغضب.

فتتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك الأكفان من النار، فيصعدون بها إلى السماء، فيخرج منها كأنتن ريح كانت في الدنيا، وكلما مروا على ملأ من الملائكة قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان.

بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، فإذا وصلت إلى السماء أغلقت دونها أبواب السماء؛ لقوله تعالى: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف:40] فتطرح روحه طرحاً، وتعاد روحه في الجسد فيأتيه ملكان إلى آخره) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015