بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فإني أهنئ طلبة العلم بنيتهم التي رفعتهم إلى هذه المساجد لتلقي العلوم، فإنها خصلة حميدة، وفائدة عظيمة، وحسنة كبيرة اختص بها من اهتم بطلب العلم والفائدة، فما أعظمها من فائدة وما أعظمها من حسنة! أولئك الذين فارقوا بيوتهم وأهليهم وأوطانهم، نهنئهم بأنها خصلة حميدة، وبأن الله تعالى أراد بهم خيراً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) ، ولم يفرق بين الطريق البعيد والطريق القريب، ولا شك أن الطريق البعيد الذي يسلكه ويقطع فيه مئات الأميال أو ألوفها أنه أعظم أجراً؛ حيث إنه عمل على مشقة وصعوبات، والأجر على قدر النصب، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر فضل العلم أنه قال: (إن العالم ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر) ، وليس المقصود العالم الرباني، بل كل من علم علماً ولو قليلاً يصدق عليه أنه عالم، ولو بآية أو بآيات أو بأحاديث أو بنوع من العلوم، فالحاملون قليل العلم يصدق عليهم أنهم علماء، فتستغفر لهم الملائكة والدواب وحيتان البحر، وكذلك تتواضع لهم الملائكة، كما في الحديث: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع) يعني: تتواضع لطالب العلم رضاً بالذي يصنعه.
وأيضاً: (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) ، فالذي يشتغل بالعبادة وبالصلوات وبالتهجد وبالصيام وبالركوع والسجود وبالذكر والدعاء ونحو ذلك، والذي يشتغل بطلب العلم وبتعلمه وبالتفقه في الدين بينهما فرق كبير، وقد أخبر في هذا الحديث بالفرق بينهما، وأن فضل هذا على هذا كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، ولا شك أن هذه خصال حميدة يشجع عليها من تجشم الصعاب وصبر على هذه المشقات وواصل التعلم.
وأهنئ طلبة العلم بأنهم -والحمد لله- قد حصلوا على علم كثير وكبير، حتى ولو تعلم الواحد آية أو معرفة يحفظها أو يعقل معناها أو يعرف ما تدل عليه، فإن هذا علم كبير لا يقاس بغيره، ويفوق غيره ممن فاتته هذه الكلمة أو الآية.