مذهب أهل السنة عدم التكفير بالذنوب ما لم تبلغ تلك الذنوب درجة الشرك، وأن الذنوب التي هي دون الشرك لا يكفرون بها ولا يخرجون صاحبها من الملة إذا كان من أهل القبلة، والمذاهب المخالفة مذهبان: الأول: مذهب الخوارج، وهم يكفرون أصحاب الذنوب ويخرجونهم من الإسلام ويدخلونهم في الكفر، ويستحلون دماءهم وأموالهم، ويحكمون بأنهم في النار مخلدين فيها.
الثاني: مذهب المعتزلة، وهم يجعلونهم في منزلة بين المنزلتين في الدنيا، فلا يجعلونهم مؤمنين مسلمين يوالون أو يناصرون، ولا يجعلونهم كفاراً يقاتلون وتستحل دماؤهم، بل هم في منزلة بين المنزلتين، وأما في الآخرة فإنهم يحكمون بخلودهم في النار.
أما نحن -أهل السنة- فإننا لا نكفرهم، ولكن نقول للعاصي: مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.
هكذا عبر شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية.
واختلفوا في ترك الصلاة: هل يكفر به أم لا يكفر به على قولين، وتعرض المؤلف الإسماعيلي للقولين، فذكر قول من كفروه وأخرجوه من الإسلام، والذين لم يكفروه، وحكى أن الذين لم يكفروه حملوا قوله صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) على أن المراد بالترك هنا: التبري منها والتبري من أهلها وجحدها، واستدل لهذا الاستنباط بقوله تعالى حكاية عن يوسف: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [يوسف:37] ، فإنه هاهنا عبر بالترك والمراد به الجحود والإنكار.
ولكن ظاهر الأحاديث إطلاق الكفر على تارك الصلاة، وقد اتفقوا -عدا الحنفية- على أنه يقتل، ولكن اختلفوا هل يقتل حداً أو ردة؟ فالذين قالوا: يقتل حداً قالوا: يكون ذنبه كذنب الزاني الذي يقتل لأجل الزنا، والقاتل الذي يقتل قصاصاً، فيعامل بعد القتل معاملة المسلمين بأن يصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
والذين قالوا: يقتل قتل ردة قالوا: يحكم بكفره قبل قتله، ويمنع أن يرث أقاربه من المسلمين ولا يرثونه، ويفرق بينه وبين امرأته إذا كانت تصلي، وإذا مات فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل يوارى كما يوارى الكفار.
هذا هو الذي يترتب على هذا الخلاف.
ولكن المسألة قد فرضوا فيها فرضاً شبه مستحيل، وهو أنهم يقولون: إننا إذا علمنا أنه تارك للصلاة أحضرناه ثم وعظناه وخوفناه، فإذا أصر وقال: لا أصلي هددناه بالقتل، فإذا امتنع وقال: لو قطعتموني قطعة قطعة فإني لا أصلي.
وأصر على ترك الصلاة حتى قتل، فالذي يفعل هذا لا شك أنه ليس مقراً بالصلاة، ولا يمكن أن يقول: أنا أقر بالصلاة، وأشهد أنها فريضة الله وعمود الإسلام وركن من أركانه، وأن الله قد فرضها على نبيه ليلة الإسراء فوق السماء السابعة، وأنه قال: (أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) ، وأنه جعلها آخر ما يفقد من الدين وأول ما يحاسب عليه العباد، وجعلها أظهر العبادات البدنية، أقر بذلك كله وأقر بأنها فريضة الله، ولكني مع ذلك لا أصلي ولو قطعتموني قطعة قطعة فهل يمكن أن يكون هذا صادقاً في أنه مقر بذلك؟ يتضح أنه كاذب في قوله: إنه مقر بها وإنها عبادة وفريضة الله.
يستحيل أو يستبعد أن يقر ويعترف بها ومع ذلك يصر على تركها ويصر على القتل ويصبر عليه وهو مع ذلك مقر بها.
فعرف بذلك أن مثل هؤلاء الذين لا يصلون لو عرضوا على السيف فإنهم لا يصبرون، بل يقولون: لا تقتلونا ونحن سنصلي.
ولا يمكن أن أحداً منهم يقر بالصلاة ويعترف بها ويصبر على القتل، فالذي يصبر على القتل نقول له: أنت كاذب في قولك: إنك تقر، فإذاً نعاملك معاملة الكفار الكاذبين.
والمسألة قد بحثها ابن القيم رحمه الله وأطال فيها في كتاب الصلاة، فابتدأ الكتاب بقول من يقول: إنه يقتل.
ثم في أثناء الكتاب ذكر أدلة من يقول: إنه كافر وإنه خارج من الإسلام.
وأورد على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، ثم ذكر أدلة من لا يكفره وبين دلالتها، ثم حكم بينهما وبين القول المختار، وبين أنه لا يمكن أن يصبر على القتل وهو مع ذلك معترف بأنها فريضة الله.