إلا ما فعل فقط، إذ هو الذي قارنته تلك الاستطاعة وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} و (الوسع) الموسوع، وهو الذي تسعه وتطيقه فلو أريد به المقارن لما كلف أحد إلا الفعل الذي أتى به فقط دون ما تركه من الواجبات إلى غير ذلك من الأدلة.

وهذه الاستطاعة هي مناط الأمر والنهي والثواب والعقاب وعليها يتكلم الفقهاء وهي الغالبة في عرف الناس.

الثانية: الاستطاعة التي يجب معها وجود الفعل وهذه هي الاستطاعة المقارنة للفعل الموجبة له ومن أمثلتها قوله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود: 20] ، وقوله تعالى: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} [الكهف: 100- 110] فالمراد بعدم الاستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته على نفوسهم، فنفوسهم لا تستطيع إرادته، وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه، وهذه حال من صده هواه أو رأيه الفاسد عن استماع كتب الله المنزلة وإتباعها وقد أخبر أنه لا يستطيع ذلك وهذه الاستطاعة هي المقارنة الموجبة للفعل، وهذه الاستطاعة هي الاستطاعة الكونية وهي مناط القضاء والقدر وبها يتحقق وجود الفعل، انظر مجموع الفتاوى 8/ 372، 373) ودرء تعارض العقل والنقل 1/ 61، وشرح العقيدة الطحاوية 499-503.

وخالف أهل السنة الجهمية والمعتزلة والأشعرية، أما الجهمية فقالوا: إنه ليس للعبد أي استطاعة لا قبل الفعل ولا معه، (انظر الملل والنحل 1/ 85، والفرق بين الفرق ص211) ، وأما المعتزلة فقالوا: إن الله تعالى قد مكن الإنسان من الاستطاعة وهذه الاستطاعة قبل الفعل وهي قدرته عليه وعلى ضده وهي غير موجبة للفعل، انظر مقالات الإسلاميين 1/ 300 والفرق بين الفرق ص 116، وشرح الأصول! الخمسة ص 398.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015