فرق ثم ذكر حديث جرير في الرؤية وقال: وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئى بالمرئى، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير1.
وهذه الرؤية هي أكبر سعادة للمؤمنين وأجلها وأعلاها على الإطلاق.
*قال عثمان بن سعيد الدارمي: فأما في الآخرة فما أكبر نعيم أهل الجنة إلا النظر إلى وجهه، والخيبة لمن حرمه، وما تعجبون من أن كان الله ولا شيء من خلقه ثم خلق الخلق، ثم استوى على عرشه فوق سمواته واحتجب من خلقه بحجب النار والظلمة، كما جاءت به الآثار ثم أرسل رسله، يعرفهم نفسه بصفاته المقدسة ليبلو بذلك إيمانهم أيهم يؤمن به ويعرفه بالغيب ولم يره وإنما يجزي العباد على إيمانهم بالله بالغيب إلى أن قال ... "فإذا كان يوم القيامة تجلى لمن آمن به وصدق رسله وكتبه وآمن برؤيته، وأقر بصفاته التي وصف بها نفسه حتى يروه عياناً، مثوبة منه لهم وإكراماً ليزدادوا بالنظر إلى من عبدوه بالغيب نعيماً وبرؤيته فرحاً واغتباطاً ولم يحرموا رؤيته في الدنيا والآخرة جميعاً وحجب عنه الكفار يومئذ إذ حرموا رؤيته كما حرموها في الدنيا ليزدادوا حسرة وثبوراً2.
* وأما أدلة السلف على إثبات رؤيته سبحانه فكثيرة جداً وقد ذكر المؤلف بعضها ونذكر البعض الآخر.
* منها: قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة:22-23] وجه الاستدلال من الآية هو أن النظر في اللغة يرد لمعان مختلفة فإذا تجرد عن الصلات وتعدى بنفسه كان بمعنى التوقف والانتظار منه قوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] . وإذا عدى بفي كان معناه التفكر والاعتبار كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 3.