ويسكن جأشك، وتطب نفسك، وتطمئن حواسك، فإن الحاجة إليك قربت منك، وأبقت عليك ما يبسط منقبضك، ويطلق معقولك، وأشار إلى مصرع جعفر وقال:
من لم يؤدّبه الجمي ... ل ففي عقوبته صلاحه
فقال سهل: فوالله ما أعلم أني عييت عن جواب آخر قط، غير جواب الرشيد يومئذ، فما عولت في الشكر إلا على تقبيل باطن رجليه!.. ثم قال: اذهب قد أحللتك محل يحيى، ووهبت لك ما ضمته أبنيته وحواه سرادقه، فاقبض الدواوين، وأحص جباء جعفر لنأمرك بقبضه إن شاء الله. قال سهل: فكنت كمن نشر من كفن وأُخرج من حبس.
ثم جلت حال سهل عند الرشيد وخص به، فدخل عليه يوماً وهو يضاحك ابنه المأمون، فقال: أللهم زده من الخيرات، وابسط له في البركات، حتى يكون كل يوم من أيامه موفياً على أمسه، مقصراً عن غده! فقال الرشيد: يا سهل، من روى من الشعر أحسنه وأجوده، ومن الحديث أصحه وأبلغه، ومن البيان أفصحه وأوضحه، إذا رام أن يقول لم يعجزه، فقال: يا أمير المؤمنين: