إن أعرقوا النزع عن قوس الاجتهاد، وأصابوا شاكلة المراد، فكالسهام في قرطسة مراميها، إصابتها منسوبة إلى راميها، وإن تنكبوا مرتضى السعي الحميد، وتجنبوا مقتضى الرأي السديد، فغير نكر من شيم العبيد، ومتى نوقشوا الحساب على كل زلة، وعوقبوا في كل ضلة، أفناهم العقاب سريعاً، وأهلكهم التأديب جميعاً، وإنما بقاؤهم بأن يسبل الموالي على هفواتهم ستر الإغضاء، ويقربوا عليهم مدارك الإرضاء، وهو أدب الله تعالى في عباده حين خلقهم نطفاً، ثم درجهم في مناقل النشء مكتنفين إحساناً منه ولطفاً، حتى إذا سواهم رجالاً وأوسع لهم في الدنيا وزخرفها مجالاً، أذهلهم شكر النعم عن شكر المنعم، وشغلهم التقلب في نعمائه عن توفية حقه وأدائه، فيمهلهم سبحانه انتظاراً لمتابهم، وترقباً لمآبهم، وقصداً منه تعالى لأن يظهر في كل حي أثر رحمته التي وسعت كل شيء، وليهتدي القادرون من عباده إلى فضيلة العفو عند الاقتدار، وجمال الصفح والتجاوز في هذه الدار، ولو يؤاخذهم تبارك وتعالى اسمه بمكسوبهم، ويعاقبهم في بداية ذنوبهم، لوقعت المجازاة منه على عدل بما كانوا يصنعون، ولكنه " يَقْبَلُ التوبةَ عن عِباده ويَعْفُو عن السيّئاتِ ويعلمُ ما يَفْعلون "، والعبد أيد الله مولانا من جملة العبيد، " منهم أُمةٌ مقتصدةٌ وكثيرٌ منهم ساء ما يعملون "، فما أسلف من صواب فببركة مستعمله، وما اقترف