كان من كتاب المنصور ابن أبي عامر، وهو والد أبي مروان حيان بن خلف صاحب التاريخ، وأخبر عن نفسه قال: بكتني المنصور يوماً على بعض ما أنكره مني تبكيتاً بعث من فزعي ما اضطربت منه، فأشفق علي وخفف عني، وأنفذني للوجه الذي استنكر فيه بطئي، فعدت بتمامه بعد أيام، فاستوقفني وأخلى مجلسه، ثم أدناني فقال: رأيت من ذعرك ما استنكرت، ومن وثق بالله برئ من الحول والقوة لله، وإنما أنا آلة من آلاته، أسطو بقدرته وأعفو عن إذنه، ولا أملك لنفسي إلا ما أملك من نفسي لسواي، فطامن جأشك فإنما أنا ابن امرأة من تميم، طالما تقوتت من غزلها، أغدو به إلى السوق وأنا أفرح الناس بمكانه، ثم جاء من أمر الله ما تراه، ومن أنا عند الله لولا عطفي على المستضعف المظلوم، وقهري للجبار الطاغي! ذكر هذه الحكاية ابنه أبو مروان في أخبار الدولة العامرية من تأليفه، وفي مناقب المنصور محمد بن أبي عامر وهيبته التي لا يسامح في نقصانها أحداً من ولد ولا ذي خاصة، حتى حشيت أحشاء الناس ذعراً، ثم يأتي من كرم الإعتاب بهذا العجب العجاب.