. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الألوهية، خصوص ما يجب وما يجوز وما يستحيل، ولكنها لم تقع فالدنيا إلا لنبينا عليه الصلاة والسلام.

وواجبة شرعا في الآخرة، للكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب، فآيات كثيرة، منها قوله تعالى: * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * أي وجوه يومئذ حسنة مضيئة ناظرة إلى ربها، فالجار والمجرور متعلق بما بعده وهو خبر ثان عن وجوه، ويصح أن يكون ناضرة صفة وناضرة هو الخبر.

والمراد بنظر الوجوه نظر العيون التي فيها، بطريق المجاز المرسل، حيث ذكر المحل وأريد الحال فيه.

ومنها قوله تعالى: * (على الأرائك ينظرون) * ومنها قوله تعالى: * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * فإن الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم، كما قاله جمهور المفسرين.

وأما السنة، فأحاديث كثيرة، منها حديث: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر.

وأما الإجماع فهو أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مجمعين على وقوع الرؤية في الآخرة، قال الشيخ السنوسي في شرح الكبرى: أجمع أهل السنة والجماعة قاطبة أن المراد من الآية، أعني قوله: * (وجوه) * الآية، رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة.

وأجمع الصحابة قاطبة على وقوع الرؤية في الآخرة، وأن الآيات والأحاديث الواردة فيها محمولة على ظواهرها من غير تأويل، كل ذلك كان قبل ظهور أهل البدع.

وكان الصحابة والسلف يبتهلون إلى الله تعالى ويسألونه النظر إلى وجهه الكريم، بل ورد ذلك أيضا في بعض أدعية النبي - صلى الله عليه وسلم - اه.

وقال الإمام مالك رضي الله عنه: لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه، ولو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعير الكفار بالحجاب.

قال تعالى: * (كلا إنهم عن ربهم

يومئذ لمحجوبون) *.

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: لما حجب الله قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا.

ثم قال: أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس - يعني نفسه - بأنه يرى ربه في المعاد لما عبده في دار الدنيا.

وهذا من كلام المدللين - نفعنا الله بهم - وإلا فالله يستحق العبادة لذاته.

ثم أن رؤية الباري جل وعلا بقوة يجعلها الله في خلقه، ولا يشترط فيها مقابلة ولا جهة ولا اتصال أشعة بالمرئي، وإن وجد ذلك في رؤية بعضنا لبعض المعتادة في الدنيا، وغرابة في ذلك لأن الله سبحانه وتعالى يدرك بالعقل منزها، فكذا بالبصر، لأن كلاهما مخلوق.

وإلى ذلك كله أشار العلامة اللقاني في جوهرة التوحيد عند ذكر الجائز في حقه تعالى، بقوله: ومنه أن ينظر بالأبصار لكن بلا كيف ولا انحصار للمؤمنين إذ بجائز علقت هذا وللمختار دنيا ثبتت وأشار إليه أيضا صاحب بدء الأمالي بقوله: يراه المؤمنون بغير كيف وإدراك وضرب من مثال فينسون النعيم إذ رأوه فيا خسران أهل الاعتزال (قوله: بكرة وعشيا) ظرفان متعلقان بالنظر.

واعلم أن محل الرؤية الجنة بلا خلاف، وتختلف باختلاف مراتب الناس، فمنهم من يراه في مثل الجمعة والعيد، ومنهم من يراه كل يوم بكرة وعشيا وهم الخواص، ومنهم من لا يزال مستمرا في الشهود، حتى قال أبو يزيد البسطامي: إن لله خواص من عباده لو حجبهم في الجنة عن رؤيته ساعة لاستغاثوا من الجنة ونعيمها كما يستغيث أهل النار من النار وعذابها.

فنسأله سبحانه وتعالى أن يمتعنا وأهلنا وأحبابنا وسائر المسلمين بالنظر إلى وجهه الكريم بجاه نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

(قوله: آمين) إسم فعل بمعنى استجب يا ألله، ويجوز فيه المد والقصر والتشديد وإن كان المشدد يأتي بمعنى قاصدين.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015