شاغل عن التنفيذ الحرفي لمطالب القيادة، فقد ذاقوا مرارة الهزيمة بسبب مخالفتهم لأوامر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم تكن تلك المخالفة متعمدة، كلا وإنما تسرعوا في تقدير النتيجة، وقطاف الثمرة قبل أوان نضجها، حيث صف الرماة على جبل وأمَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم عبد الله بن جبير وأصدر لهم أمره: "إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم، وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم" 1.

وقاتل المسلمون بحماسة وشجاعة وبأس وإقدام حتى إذا ما استبان انهزام المشركين من ميدان القتال تاركين المتاع والغنائم نزل الرماة عن أمكانهم ظانين أن الهزيمة القاضية قد اجتاحت صفوف المشركين، ولن تقوم لهم بعد الآن قائمة وبهذا النزول ترك الرماة أماكنهم خالية، بينما ظهور المسلمين غير محاطة بقوة عسكرية والثغور مفتوحة قريبة المنال سهلة العبور أمام العدو المتربص وكان لخسارة المسلمين في هذه المعركة أثر كبير في نفوسهم ودرس بالغ في ضمائرهم حيث غرست فيهم وجوب الالتزام بأوامر القائد وتنفيذها بحذافيرها.

ولقد تلقى خالد بن الوليد -رضي الله عنه- نبأ عزله عن قيادة الجيش من الخليفة عمر -نضر الله وجهه- بروح إسلامية عالية وإيمان عميق. كان ذلك في معركة اليرموك، وكان القتال على أشده، فلم يشأ أن يعلن هذا النبأ على الملأ بل صبر حتى انتصر المسلمون، ثم دعا أبا عبيدة ابن الجراح وسلمه القيادة تنفيذًا لأمر الخليفة، ثم قال لحامل البريد الذي جاءه بأمر العزل:

"بلغ أمير المؤمنين أن من حقه أن يعزلني عن القيادة، ولكنه لا يملك أن يجردني من سيفي فسأظل حاملًا هذا السيف في خدمة أمتي"2.

وعاش خالد جنديًّا بسيطًا تحت إمرة أبي عبيدة يتلقى منه الأوامر وينفذها.. وحاول بعض الذين يثيرون الخصومات في صفوف الأمة أن يثيروا خالدًا حتى يمتنع عن الامتثال لأمر الخليفة، ولكن إيمانه كان أكبر من أن يجعله يواجه الخليفة في حق يملكه، وأن يخالفه في وقت يواجه فيه المسلمون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015