مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} 1.
وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه بابًا سماه "باب البيعة في الحرب أن لا يفروا وقال بعضهم: على الموت" وذكر فيه عددًا من الأحاديث التي تبين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ البيعة من الصحابة على الثبات في الجهاد، منها حديث نافع عن ابن عمر قال: "رجعنا من العام المقبل، فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها. كانت رحمة من الله، فسألنا نافعًا على أي شيء بايعهم، على الموت؟ قال: لا بل بايعهم على الصبر"2.
وحديث سلمة -رضي الله عنه- قال: "بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم عدلت إلى ظل شجرة، فلما خف الناس قال: يابن الأكوع ألا تبايع؟ قال: قلت: قد بايعت يا رسول الله، قال: وأيضًا. فبايعته الثانية، فقلت له، يا أبا مسلم، على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال على الموت"3.
وحديث شعبة عن حميد قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: كان الأنصار يوم الخندق تقول:
نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما حيينا أبدًا
فأجابهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجرة" 4.
وكان الخلفاء الراشدون يعقدون الألوية للأمراء ويوصونهم بالصبر والثبات ولزوم الحق والشجاعة. وها هو ذا عمر ابن الخطاب يوصي القادة وهو يعقد اللواء:
"بسم الله، وعلى عون الله، امضوا بتأييد الله، وما النصر إلا من عند الله ولزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ولا تجبنوا عند اللقاء، ولا تمثلوا عند القدرة، ولا تسرفوا عند