رِوَايَاتٍ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ، إِحْدَاهَا: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالثَّانِيَةَ: سَبْعَةَ عَشَرَ، وَالثَّالِثَةَ: غَيْرُ مَحْدُودَةٍ.
وَعَنْ مَكْحُولٍ: أَكْثَرُ الْحَيْضِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ، وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ: أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَيُحْكَى عَنْ نِسَاءِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُنَّ كُنْ يَحِضْنَ سَبْعَ عَشْرَةَ، قَالَ أَحْمَدُ: " وَأَكْثَرُ مَا سَمِعْنَا سَبْعَ عَشْرَةَ ".
هَذَا حَاصِلُ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ، وَهَذِهِ أَدِلَّتُهُمْ. أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ، فَاحْتَجُّوا لِمَذْهَبِهِمْ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرَهُ عَشَرَةٌ بِحَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ".
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ " وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " الْحَيْضُ ثَلَاثٌ، أَرْبَعٌ، خَمْسٌ، سِتٌّ، سَبْعٌ، ثَمَانٍ، تِسْعٌ، عَشْرٌ "، قَالُوا: وَأَنَسٌ لَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا تَوْقِيفًا، قَالُوا: وَلِأَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ، أَوِ اتِّفَاقٍ، وَإِنَّمَا حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَرَدَّ الْجُمْهُورُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهَا حُجَّةٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ " مَا نَصُّهُ: " وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَأَنَسٍ، فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهَا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَدْ أَوْضَحَ ضَعْفَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ " الْخِلَافِيَّاتِ " ثُمَّ " السُّنَنِ الْكَبِيرِ " اهـ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي ": حَدِيثُ وَاثِلَةَ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّامِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ الْمِنْهَالِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ يَرْوِيهِ الْجَلْدُ بْنُ أَيُّوبَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: هُوَ حَدِيثٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: لَيْسَ هُوَ شَيْئًا هَذَا مِنْ قِبَلِ الْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ، قِيلَ: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ رَوَاهُ، قَالَ مَا أُرَاهُ سَمِعَهُ إِلَّا مِنَ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، وَضَعَّفَهُ جِدًّا، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ذَاكَ: أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَحْتَجَّ إِلَّا بِالْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ، وَحَدِيثُ الْجَلْدِ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يُعَارِضُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ اسْتِحَاضَةٌ، وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الْكُبْرَى ": فَهَذَا حَدِيثٌ يُعْرَفُ بِالْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ، وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا: قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: الْجَلْدُ أَعْرَابِيٌّ لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ، وَقَالَ أَيْضًا: قَالَ الشَّافِعِيُّ: نَحْنُ وَأَنْتَ لَا نُثْبِتُ مِثْلَ حَدِيثِ