الْكَرَامَاتِ مِنْ خَلْقِهِ بِيَدَيْهِ، وَأَمْرِ الْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُودِ لَهُ، فَحَمَلَهُ الْحَسَدُ عَلَى التَّكَبُّرِ، وَمَنَعَهُ التَّكَبُّرُ مِنِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ، فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ طَرْدَهُ، عِيَاذًا بِاللَّهِ.
أَسْبَابُ الْحَسَد
وَبِتَأَمُّلِ الْقِصَّةِ، يَظْهَرُ أَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْحَسَدِ أَصْلُهُ أَمْرَانِ:
الْأَوَّلُ: ازْدِرَاءُ الْمَحْسُودِ.
وَالثَّانِي: إِعْجَابُ الْحَاسِدِ بِنَفْسِهِ، كَمَا قَالَ إِبْلِيسُ مُعَلِّلًا لِامْتِنَاعِهِ مِنَ السُّجُودِ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [7 \ 12] .
ثُمَّ فَصَّلَ مَعْنَى الْخَيْرِيَّةِ الْمَزْعُومَةِ بِقَوْلِهِ: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [7 \ 12] ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ.
وَقَدْ ذَكَرُوا مِنْهَا التَّعَزُّزُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُرِيدُ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْتَفِعَ عَلَيْهِ، وَالتَّعَجُّبُ بِأَنْ يَعْجَبَ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَرَى أَحَدًا أَوْلَى مِنْهُ، وَالْخَوْفُ مِنْ فَوَاتِ الْمَقَاصِدِ عِنْدَ شَخْصٍ إِذَا رَآهُ سَيَسْتَغْنِي عَنْهُ، وَحُبُّ الرِّئَاسَةِ مِمَّنْ لَا يُرِيدُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي أَيِّ فَنٍّ أَوْ مَجَالٍ.
وَذَكَرَهَا الرَّازِيُّ نَقْلًا عَنِ الْغَزَالِيِّ.
وَمِنْ هُنَا لَا نَرَى مُعْجَبًا بِنَفْسِهِ قَطُّ، إِلَّا وَيَزْدَرِي الْآخَرِينَ وَيَحْسُدُهُمْ عَلَى أَدْنَى نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ. عَافَانَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ
إِذَا كَانَ أَوَّلُ مَعْصِيَةٍ وَقَعَتْ هِيَ حَسَدُ إِبْلِيسَ لِأَبِينَا آدَمَ عَلَى مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ، وَجَاءَ حَسَدُ الْمُشْرِكِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِعْمَةِ الْوَحْيِ، وَحَسَدُ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ، وَجَاءَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فِي أَوَاخِرِ الْقُرْآنِ، فَكَأَنَّهَا جَاءَتْ فِي أَعْقَابِ الْقُرْآنِ لِتُذَكِّرَ الْمُسْلِمِينَ بِعِظَمِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَشَدَّةِ حَسَدِهِمْ عَلَيْهِ، لِيَحْذَرُوا أَعْدَاءَهُمُ الَّذِينَ يَكِيدُونَ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ، مِنْ كُلٍّ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي السُّورَةِ بَعْدَهَا وَالْأَخِيرَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.