فَتَبَيَّنَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ الْحَسَدَ يَكُونُ فِي نِعْمَةٍ مَوْجُودَةٍ، وَيَكُونُ فِي نِعْمَةٍ مُتَوَقَّعٌ وُجُودُهَا.
تَنْبِيهٌ آخَرُ
تُوجَدُ الْعَيْنُ كَمَا يُوجَدُ الْحَسَدُ، وَلَمْ أَجِدْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مَعَ وُجُودِ الْفَرْقِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: «إِنَّ الْعَيْنَ لَحَقٌّ» .
كَمَا جَاءَ فِي السُّنَنِ: «لَوْ أَنَّ شَيْئًا يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» .
وَيُقَالُ فِي الْحَسَدِ: حَاسِدٌ، وَفِي الْعَيْنِ: عَائِنٌ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي الْأَثَرِ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي الْوَسِيلَةِ وَالْمُنْطَلَقِ.
فَالْحَاسِدُ: قَدْ يَحْسُدُ مَا لَمْ يَرَهُ، وَيَحْسُدْ فِي الْأَمْرِ الْمُتَوَقَّعِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَمَصْدَرُهُ تَحَرُّقُ الْقَلْبِ وَاسْتِكْثَارُ النِّعْمَةِ عَلَى الْمَحْسُودِ، وَبِتَمَنِّي زَوَالِهَا عَنْهُ أَوْ عَدَمِ حُصُولِهَا لَهُ وَهُوَ غَايَةٌ فِي حِطَّةِ النَّفْسِ.
وَالْعَائِنُ: لَا يَعِينُ إِلَّا مَا يَرَاهُ وَالْمَوْجُودَ بِالْفِعْلِ، وَمَصْدَرُهُ انْقِدَاحُ نَظْرَةِ الْعَيْنِ، وَقَدْ يَعِينُ مَا يَكْرَهُ أَنْ يُصَابَ بِأَذًى مِنْهُ كَوَلَدِهِ وَمَالِهِ.
وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْحَسَدُ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْحَسَدُ وَيُرَادُ بِهِ الْغِبْطَةُ، وَهُوَ تَمَنِّي مَا يَرَاهُ عِنْدَ الْآخَرِينَ مِنْ غَيْرِ زَوَالِهِ عَنْهُمْ.
وَعَلَيْهِ الْحَدِيثُ: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْخَيْرِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا بَيْنَ النَّاسِ» .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: رُوِيَ مَرْفُوعًا «الْمُؤْمِنُ يَغْبِطُ، وَالْمُنَافِقُ يَحْسُدُ» .
وَقَالَ: الْحَسَدُ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فِي السَّمَاءِ، وَأَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ بِهِ فِي الْأَرْضِ، فَحَسَدَ إِبْلِيسُ آدَمَ وَحَسَدَ قَابِيلُ هَابِيلُ اهـ.
تَحْذِيرٌ
كُنْتُ سَمِعْتُ مِنَ الشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ: إِنَّ أَوَّلَ مَعْصِيَةٍ وَقَعَتْ هِيَ الْحَسَدُ، وَجَرَّ شُؤْمُهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَذَلِكَ لَمَّا حَسَدَ إِبْلِيسُ أَبَانَا آدَمَ عَلَى مَا آتَاهُ اللَّهُ مِنَ