قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:
وَلَمْ يَلْبَثِ الْعَصْرَانِ يَوْمَ لَيْلَةٍ ... إِذَا طَلَبَا أَنْ يُدْرِكَا مَا يُتَمِّمَا
وَالْعَصْرَانِ أَيْضًا: الْغَدَاةُ وَالْعَشِيُّ.
كَمَا قِيلَ:
وَأَمْطُلُهُ الْعَصْرَيْنِ حَتَّى يَمَلَّنِي ... وَيَرْضَى بِنِصْفِ الدَّيْنِ وَالْأَنْفُ رَاغِمُ
وَالْمَطْلُ: التَّسْوِيفُ وَتَأْخِيرُ الدَّيْنِ.
كَمَا قِيلَ:
قَضَى كُلُّ ذِي دَيْنٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ ... وَعَزَّهُ مَمْطُولٌ مُعَنًّى غَرِيمُهَا
وَقِيلَ: إِنَّ الْعَشِيَّ مَا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَرُوحُ بِنَا يَا عَمْرُو قَدْ قَصُرَ الْعَصْرُ ... وَفِي الرَّوْحَةِ الْأُولَى الْغَنِيمَةُ وَالْأَجْرُ
وَعَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا: هُوَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ، لِتَعْظِيمِ الْيَمِينِ فِيهِ، وَلِلْقَسَمِ بِالْفَجْرِ وَالضُّحَى.
وَقِيلَ: هُوَ صَلَاةُ الْعَصْرِ لِكَوْنِهَا الْوُسْطَى.
وَقِيلَ: عَصْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ زَمَنُ أُمَّتِهِ ; لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عَصْرَ عُمُرِ الدُّنْيَا.
وَالَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: أَنَّ أَقْرَبَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا قَوْلَانِ: إِمَّا الْعُمُومُ بِمَعْنَى الدَّهْرِ لِلْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ، إِذْ أَقَلُّ دَرَجَاتِهَا التَّفْسِيرُ، وَلِأَنَّهُ يَشْمَلُ بِعُمُومِهِ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ.
وَإِمَّا عَصْرُ الْإِنْسَانِ أَيْ عُمُرُهُ وَمُدَّةُ حَيَاتِهِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْكَسْبِ وَالْخُسْرَانِ لِإِشْعَارِ السِّيَاقِ، وَلِأَنَّهُ يَخُصُّ الْعَبْدَ فِي نَفْسِهِ مَوْعِظَةً وَانْتِفَاعًا.
وَيُرَجِّحُ هَذَا الْمَعْنَى مَا يَكْتَنِفُ هَذِهِ السُّورَةَ مِنْ سُورِ التَّكَاثُرِ قَبْلَهَا، وَالْهُمَزَةِ بَعْدَهَا، إِذِ الْأُولَى تَذُمُّ هَذَا التَّلَهِّيَ وَالتَّكَاثُرَ بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ، حَتَّى زِيَارَةِ الْمَقَابِرِ بِالْمَوْتِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ هُوَ حَيَاةُ الْإِنْسَانِ.ُُ