بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سُورَةُ الْعَصْر
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ.
الْعَصْرُ: اسْمٌ لِلزَّمَنِ كُلِّهِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ.
وَلِذَا اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنْهُ، حَيْثُ لَمْ يُبَيَّنْ هُنَا.
فَقِيلَ: هُوَ الدَّهْرُ كُلُّهُ، أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعَجَائِبِ، أُمَّةٌ تَذْهَبُ وَأُمَّةٌ تَأْتِي، وَقَدَرٌ يَنْفُذُ، وَآيَةٌ تَظْهَرُ، وَهُوَ هُوَ لَا يَتَغَيَّرُ، لَيْلٌ يَعْقُبُهُ نَهَارٌ، وَنَهَارٌ يَطْرُدُهُ لَيْلٌ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ عَجَبٌ.
كَمَا قِيلَ:
مَوْجُودٌ شَبِيهُ الْمَعْدُومِ، وَمُتَحَرِّكٌ يُضَاهِي السَّاكِنَ.
كَمَا قِيلَ:
وَأَرَى الزَّمَانَ سَفِينَةً تَجْرِي بِنَا ... نَحْوَ الْمَنُونِ وَلَا نَرَى حَرَكَاتِه
فَهُوَ فِي نَفْسِهِ آيَةٌ، سَوَاءٌ فِي مَاضِيهِ لَا يَعْلَمُ مَتَى كَانَ، أَوْ فِي حَاضِرِهِ لَا يَعْلَمُ كَيْفَ يَنْقَضِي، أَوْ فِي مُسْتَقْبَلِهِ.
وَاسْتَدَلَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا جَاءَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَرْفُوعًا مِنْ قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ: «وَالْعَصْرِ وَنَوَائِبِ الدَّهْرِ» . وَحُمِلَ عَلَى التَّفْسِيرِ إِنْ لَمْ يَصِحَّ قُرْآنًا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
سَبِيلُ الْهَوَى وَعْرٌ، وَبَحْرُ الْهَوَى غَمْرٌ ... وَيَوْمُ الْهَوَى شَهْرٌ، وَشَهْرُ الْهَوَى دَهْرٌ
وَقِيلَ الْعَصْرُ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.ُُ